default Author

استعادة الجانب الأخلاقي للاقتصاد «1 من 3»

|


يواجه النموذج الاقتصادي السائد أزمة تتعلق بالشرعية. وثمة أبعاد عديدة لهذه الأزمة - تزايد عدم المساواة وانعدام الأمن الاقتصادي، الذكريات المؤلمة التي خلفتها الأزمة المالية العالمية والحصانة التي يتمتع بها المتسببون فيها، ونمط العولمة الذي ينظر إليه على أنه يعود بالنفع الأكبر على الشركات الكبيرة والنخبة المالية. ويخيم على ذلك كله شبح تغير المناخ. وجميع هذه الأخطاء تؤدي إلى زعزعة الثقة بالمؤسسات المحلية والعالمية، وتثير في بعض الأحيان ردود فعل سلبية في صورة انعزالية ونزعة إلى التطرف.
ونجد في أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي أقرتها 193 بلدا في عام 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة استجابة لهذه التحديات. وتقوم هذه الأهداف على فكرة مفادها أن التقدم الاقتصادي لم يعد بالإمكان تقييمه دون مراعاة الاحتواء الاجتماعي والاستدامة البيئية. وتنطوي هذه الفكرة على فكرة أخرى، وهي أن الأسواق وحدها لا يمكنها حل هذه المشكلات التي تتطلب تعاون جميع البلدان على المستوى العالمي والشركاء الاجتماعيين على المستوى المحلي. ويتطلب هذا التحول بدوره إعادة التفكير بشكل جاد في الأسس الأخلاقية للاقتصاد الحديث. غير أن هذا الاستنتاج قد يبدو مستغربا. فقد تطور الاقتصاد الكلاسيكي الحديث في نهاية المطاف على نحو أدى إلى التمييز الحاد بين الإيجابي والمعياري، وبين الحقائق والقيم. ولكن من المستحيل بأي حال من الأحوال استبعاد القيم من المناقشات حول الاقتصاد. ويقترح علم الاقتصاد بالفعل إجابات عن المسائل المهمة التي تثيرها الفلسفة الأخلاقية - فيما يتصل بالطبيعة البشرية، والغرض أو الهدف من الحياة، والسلوك الصحيح في مختلف الظروف.
غير أنني أعتقد أن هذه الإجابات غير كافية، فالإطار الأخلاقي للاقتصاد الكلاسيكي الحديث يتركز حول مفهوم "الإنسان الاقتصادي" الذي تحركه المصلحة الشخصية نحو البحث عن تعظيم أفضلياته المادية الذاتية — وهو أمر يبدو سهل التحقيق "وفق افتراضات تقييدية للغاية" بفضل الأسواق التنافسية.
ولكن هل الإنسان الاقتصادي يعد انعكاسا دقيقا للطبيعة البشرية؟ فالإجابة بالنفي وفقا لآخر الشواهد المستمدة من علم النفس وعلم الأعصاب وعلم الأحياء التطوري. فعالم الأحياء إدوارد ويلسون في جامعة هارفارد، يرى - على سبيل المثال - أن قوى التطور تعني أن الأشخاص الأنانيين ينتصرون على الإيثاريين داخل المجموعات، لكن مجموعات الإيثاريين تنتصر على مجموعات الأنانيين. وإذا صح ذلك، فإن الإنسان ميال للتعاون والالتزام بالمعايير الأخلاقية. ولكن ذلك يعني أيضا وجود ميل طبيعي نحو تفضيل أعضاء المجموعة الواحدة وتشويه الخارجين عنها. ومن هذا المنظور، أرى أن معظم الأطر الأخلاقية "العلمانية والدينية" تشترك في الهدف نفسه - ألا وهو تشجيع الناس على تبني الخصال الاجتماعية وكبح الخصال الأنانية والعدوانية. ولكن الاقتصاد الكلاسيكي الحديث يعد استثناء. فهو يشجع على الأنانية ويعلي المساعي المادية ويتجاهل الأخلاق ـ وتعد التفضيلات في نهاية المطاف ملكية فردية وذاتية ولا يمكن إخضاعها بأي حال من الأحوال للدراسة والتدقيق. ولا يقتصر الأمر على نفي أهمية الفضيلة، بل إن ما عدته الأعراف قديما من الرذائل، أصبح ينظر إليه الآن على أنه أمر نافع. وهذا هو الأساس الذي تستند إليه استعادة الجانب الأخلاقي للاقتصاد، حيث ينبغي للاقتصاد الحديث أن يعود إلى جذوره "فكرة آدم سميث الشهيرة التي تدعي أن الاهتمام بالمصلحة الذاتية، وليس الإيثار، هو ما يخدم المصلحة العامة"، وكان سميث أكثر دقة في مناقشة هذه المسألة مقارنة بأقرانه"... "يتبع".

إنشرها