default Author

التفوق الوظيفي قد يكون معديا

|

تساعد البيانات الضخمة على معرفة كثير عن الأسباب التي تسهم في زيادة نسبة المبيعات في البيئة الرقمية. ورغم ذلك لا يزال قطاع الخدمات التقليدي بمنزلة "صندوق أسود" أي نظام معقد ومبهم بالنسبة لنا. تخضع المبيعات التقليدية كما هو الحال في متاجر الأزياء أو المطاعم لعوامل غير ملموسة بشكل أكبر مما هو عليه الأمر في مواقع التجارة الإلكترونية أو التطبيقات ــــ وقد يكون أبرز هذه العوامل الفروقات الدقيقة وحساسية التعامل بين العملاء وفريق العمل. فربط عملية الشراء بأداء الموظف تبقى مبهمة إذا لم نأخذ في عين الاعتبار تأثير العوامل الأخرى، مثل تأثير تفاعل الموظفين مع أقرانهم الذي يؤثر في النتائج ككل.
لحل الغموض حول كيفية ترجمة المهارة في قطاع الخدمات إلى مبيعات، أجريت وزميلي توم تان من جامعة ثاوسرن ميثوديست، دراسة توصلنا خلالها إلى ورقة عمل: "هل ستستطيع الطيران، إذا ما عملت مع سوبر مان؟ دراسة ميدانية لتأثير زملاء العمل في الأداء". أسفرت النتائج التي توصلنا إليها عن نقطتين مهمتين: بمساعدة الخوارزميات، من الممكن تحديد القدرة الأساسية للموظف إلى جانب مهاراته في المبيعات. ولكن لا تعطي بالضرورة الإحصائيات المتعلقة بالأفراد معلومات عن الأداء بنهاية اليوم. يبقى أداء الفريق هو العامل الحاسم، الذي قد يكون أكثر أو أقل من الأداء الفردي لكل موظف.
جمعنا بيانات المبيعات لثلاثة مطاعم (تعود جميعها لسلسلة المطاعم نفسها) في ضواحي بوسطن خلال الفترة ما بين يناير 2011 ويونيو 2012، بما في ذلك معلومات مفصلة عن كل مطعم والعاملين فيه. غطت مجموعة البيانات المتوافرة لدينا 226,350 وجبة طعام لثلاثة مواقع خلال 18 شهرا، فترة المراقبة.
وقع اختيارنا على دراسة قطاع المطاعم بشكل متعمد. فهو يوظف أكثر من 14 مليون شخص في الولايات المتحدة، غالبيتهم نادلون ــــ تأتي إنتاجيتهم في أدنى المراتب مقارنة بقطاعات الخدمات الأخرى، فضلا عن وجود أعلى معدلات الدوران الوظيفي. ويبدو أن هناك مجالا واسعا أمام مديري المطاعم لتحسين طريقة إدارتهم لموظفيهم.
تعد المطاعم بيئة مثالية لدراسة تأثُر الموظفين بأقرانهم بسبب تباين قدرات العاملين، وكون معدلات الإنفاق في هذا القطاع تتأثر أولا بمهارات العاملين وقدرتهم على الإقناع بزيادة الطلب أو حث العميل على شراء منتجات أخرى، وثانيا بأداء زملائهم العاملين معهم جنبا إلى جنب خلال فترة المناوبة ـــ على عكس متاجر التجزئة. على سبيل المثال، يعمل موظفو المبيعات في مختلف الأقسام بشكل مستقل على نحو كبير.
وجدنا عند تحديد المهارة الأساسية لكل نادل، أن تأثر مبيعاته خلال فترة مناوبته بحسب الأشخاص العاملين معه سواء زيادة أو نقصانا، حيث بذل الأشخاص أصحاب المهارة المتدنية جهودا إضافية عندما عملوا جنبا إلى جنب مع فريق أعلى من مستواهم. والأهم من ذلك، أن الأمور سارت باتجاه معاكس عندما كانت الغالبية العظمى من العاملين تتمتع بمهارات عالية واستثنائية، ما أثر سلبا في أداء الأشخاص الأقل منهم مهارة.
لا تعطينا البيانات معلومات عن سبب عدوى الأداء. ولكن بحسب البحوث، لاحظنا أنه عند مراقبة العاملين الأقل مهارة لزملائهم الأكثر كفاءة، تشتعل عندهم روح المنافسة وتحفزهم على تقديم نموذج يحتذى به في الروح التنافسية. ولكن مقدار معين من القلق حول عدم إمكانية مجاراتهم لأصحاب الأداء المتميز يحفزهم على رفع مستواهم. فإذا ما كان المستوى مرتفعا بشكل كبير، قد تحول المقارنة السلبية دون محاولتهم لتطوير أدائهم، ما يؤدي لانخفاض الإنتاجية.
المؤشر الوحيد الذي تعطيه دراسة البيانات، هو أن تأثير العاملين في أقرانهم، يتأثر بالقرب المادي. حيث يتحسن أداء الأشخاص أصحاب المهارات المتدنية عند عملهم إلى جانب زملائهم من ذوي الأداء المتفوق.عادة ما يكون هامش الربح المعتاد في قطاع المطاعم مثل تلك موضوع الدراسة من 3 إلى9 في المائة، ويرغب المديرون في معرفة إذا ما كان تأثير العاملين في أقرانهم ينعكس على تحسين الأداء.
في الواقع تفترض الدراسة ضمنيا إمكانية استفادة المديرين من تأثير العاملين في أقرانهم بشكل غير مباشر لمصلحة زيادة المبيعات الإجمالية، دون الحاجة إلى الاستثمار في توظيف أشخاص جدد أو تدريب الحاليين. ففي عالم مثالي سيكون أداء جميع العاملين متميزا. ومع ذلك، فكوننا نعلم بندرة أصحاب الأداء العالي في هذا القطاع، نتوجه بالسؤال للمديرين حول إمكانية استغلالهم لهم على أكمل وجه ــــ سواء من خلال جمعهم بفترة المناوبة نفسها، أو الحرص على توزيعهم على جميع الفترات. وبحكم دراستنا لكلا النموذجين، وجدنا أن الفرق غير المتجانسة ـــ وهي الفرق التي تضم أصحاب الأداء العالي والمنخفض على حد سواء، تحقق مبيعات بنسبة أكبر من الفرق الأخرى التي تكون فيها نسبة تمثيل الطرفين على نطاق ضيق. لذا ينبغي على الشركات بناء فرق العمل حيث لا يكون المستوى العام عاليا جدا أو منخفضا جدا. فدمج أصحاب الأداء العالي مع أقرانهم ذوي الأداء الأقل، من شأنه أن يشكل دفعة كبيرة للمبيعات في فرق العمل الصغيرة؛ كما أن وضع الأشخاص الأقل مهارة في فرق أكبر يعد فكرة سديدة لأنه يقلل من تأثيرهم السلبي في المبيعات.
إذا ما سعت المطاعم موضوع الدراسة إلى تحقيق توازن الفريق من حيث الأداء، فعلى الأرجح ستحقق المبيعات ارتفاعا بنسبة من 2 إلى 3 في المائة، وهو أمر حاسم بالنسبة للشركات العاملة في هذا القطاع ويظهر احتمال نجاحها أو فشلها.
يتعين على المديرين للاستفادة من تأثير الموظفين في أقرانهم، تغيير طريقة تعاملهم مع الأشخاص أصحاب الأداء المتميز. على سبيل المثال، قد يكون لوضع نظام المكافآت أثر إيجابي، ومكافأة الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات استثنائية عن مساهمتهم في رفع أداء زملائهم في العمل. عند الأخذ في عين الاعتبار أن تأثير الموظفين في أقرانهم يعطي صورة كاملة عن عائد الاستثمار في أجور عالية لأصحاب الأداء المتميز. وعلاوة على ذلك، لأن الرؤية والقرب من شأنهما زيادة تأثير الموظفين في أقرانهم قد يدفع المديرين لوضع أصحاب الأداء العالي في أماكن معينة، حيث يتسنى للجميع رؤيتهم، وبالتالي يزداد تأثيرهم في أكبر عدد ممكن من الموظفين.

إنشرها