Author

التمويل العقاري وأزمة الإسكان

|
في الأسبوع الماضي كتبت مقالا هنا أنتقد فيه مؤسسة النقد وقلت إنها أصبحت جزءا من أزمة الإسكان التي تعصف بنا حاليا بعد قرارها بفرض نسبة 30 في المائة دفعة مقدمة من التمويل العقاري، وبالتالي قضت على أحلام المواطنين في تملك المنازل وأسهمت في تعقيد الأزمة، وخسارة الأطراف الثلاثة، المصارف، والمواطن، والمطورين العقاريين، والأمر يتجه للأسوأ إن استمرت مؤسسة النقد في تعنتها وتمسكها بقرارها الذي تفرضه على المصارف. هذا المقال كان محل نقاش من بعض الزملاء المتخصصين، منهم من أيد ومنهم اعترض، وكان أبرز المعترضين زميلنا النشط الكاتب "عبد الحميد العمري" الذي سجل اختلافه معي في أكثر من نقطة ومما يحسب للأستاذ عبد الحميد أنه واحد من أكثر الكتاب تناولا لأزمة الإسكان إن لم يكن الأبرز، وهو من عرابي الحلول وتمنيت لو جمع ما كتبه حول أزمة الإسكان وأصدره في كتاب وأهداه لمسؤولي وزارة الإسكان أو يتركه للتاريخ، فربما تجد الأجيال القادمة في أطروحاته الحلول المنشودة لأزمة طالت كثيرا! يقول الزميل "العمري" في اعتراضه: (أزمة العقار والإسكان لدينا أبدا لم تكن أزمة تمويل، وبالعكس كلما زاد التمويل "زيادة القدرة على الاقتراض" زاد عمق الأزمة، التي مصدرها الرئيس والخطير هو احتكار الأراضي بنسبة فاقت 50 في المائة من مساحات المدن، وتفاقم المضاربات على أقل من 10 في المائة منها المتاح للتداول، ولهذا أي قرار بزيادة القروض أو التمويل يعني مزيدا من الأزمة العقارية الخطيرة). ويضيف زميلنا: «المدخل المتعلق بطلب زيادة القدرة على الاقتراض (التمويل) هو أحد أخطر فخاخ الأزمة العقارية التي يُروّج له من قبل تجار الأراضي والعقار على أنّه (حل) في حين أنّه يحمل فخّا قد يسقط فيه الاقتصاد الوطني برمته والقطاع المالي الذي يمثل شريان حياة أي اقتصاد حول العالم، وباختصار؛ زيادة القروض كارثة لا نجاة منها!». في الواقع إني أتفق مع عبد الحميد أن حل أزمة الإسكان يحتاج إلى منظومة كاملة من التشريعات والقرارات بدءا من فك الاحتكار، ومرورا بتقليص الأسعار المتضخمة، وانتهاء بإيجاد سوق مهني للتمويل، ولعلي أذكِّر الزميل بالتقرير الأخيرلمؤسسة النقد الذي سجلت القروض الاستهلاكية الممنوحة للأفراد وقروض بطاقات الائتمان من المصارف 322.8 مليار ريال بنهاية عام 2014، بينما بلغت القروض العقارية الممنوحة للأفراد 94.2 مليار فقط". التمويل العقاري الذي لم يتجاوز 94 مليارا يعبر بوضوح عن آليات شحيحة لا تليق بحجم الطلب ولا حجم الأزمة التي تعيشها السوق المحلية، مقارنة بالاحتياطيات الضخمة التي تملكها المصارف ولم تستفد منها بالشكل المطلوب، وبودي أسأل الزميل العزيز لو أراد شراء منزل في واشنطن، أو لندن أو باريس، أو في مدينة من الدول المتقدمة هل سيذهب لوزارة الإسكان للتقديم؟ أم سيبحث عن أرض في أقرب مخطط مكتمل الخدمات؟ والجواب الذي يعرفه الزميل العمري بالتأكيد لا هذا ولا ذاك، بل سيذهب لدراسة عروض التمويل التنافسية التي تقدمها المصارف ويختار المنزل الملائم مما لدى المطورين العقاريين وسينعم بتملك المسكن الذي يريد خلال ساعات معدودة، وهذا العلاقة التكاملية بين المصارف والمطورين العقاريين جعلت حلول الإسكان سهلة ويسيرة وفي متناول الجميع، ولو تحققت لدينا لما احتجنا أصلا إلى وزارة الإسكان كما في شاهدنا في دول كثيرة. وأضيف أيضا أن قرار 30 في المائة الذي فرضته مؤسسة النقد أوجد كثيرا من طرق التحايل التي سيدفع المواطن معها ثمنا مضاعفا فقد أصبحنا نقرأ عن سوق نشطة لمكاتب سمسرة تقدم خدمة 30 في المائة وتعيدها بفائدة مضاعفة، ومصارف تقدم 30 في المائة على شكل قرض شخصي وبالتالي جر العميل إلى مزيد من الديون على المدى البعيد وتحول الأمر إلى قرار "بيروقراطي" يمكن التحايل عليه لا تطبيقه بقناعة لبعده التام عن الواقع. أخيرا، هل فكر الزميل العزيز في الجهود التي بذلت خلال السنوات الأخيرة في إقناع عشرات الشركات بالاستثمار في التطوير العقاري؟ وحين بدأ الكثير منها في بناء الوحدات السكنية في الخبر والرياض وجدة ومدن أخرى جاء قرار 30 في المائة ليوقف طموحاتها ومشاريعها التوسعية وأصبحنا على مقربة من خسارة سوق واعد للتطوير العقاري. إنني لا أرى مبررا للتخويف من فخ التمويل العقاري في سوق شحيحة أصلا لم يتجاوز حجم التمويل فيها 94 مليارا وحتى لو قفز للضعف وأكثر يظل أقل بكثير من أن يشكل خطرا على اقتصادنا الوطني.
إنشرها