Author

أشباح بيننا؟ نعم

|
.. استوقفني خمسة مراهقين بعد صلاة الجمعة، وأخذنا صورا، تلك التي يسمونها "سلفي Selfie" وتوقعت أن الأمر سيقف عند التصوير مع الصغار الذين يخطفون القلبَ بدماء الصبا، والهرمونات التي تموج فوّارة بداخلهم، وتسيرهم أكثر من مدركاتهم.. وهذا طبيعي. أصروا أن نتحدث حول سؤال يشغلهم، واعتذرت بأن يوم الجمعة لجمع العائلة، فتقافزوا حولي: "دقيقة بس، بس دقيقة، الله يخليك".. من يستطيع أن يقاوم مثل ذاك الترجي؟ فقلت: "نصف ساعة!". دخلنا دكانا صغيرا محشورا أمام المسجد، وطلب لنا أحدهم علب بيبيسي، وكنت سأبدأ محاضرة لهم عن مخاطره ولم يكن الوقت مناسبا.. فشربت معهم. درنا، هم وأنا، حول طاولة خشبية صغيرة شبع منها الزمانُ فبالكاد بقي أثر للطاولة، وقال أحدهم: "كأننا الملك آرثر وطاولته المستديرة"، وهو أسطورة أو حقيقة الملك "آرثر" في الميثولوجيا البريطانية. التشبيه ضايقني، وسأشرح لماذا لاحقا. عينوا أحدهم متكلما مع مقاطعات ناريّة له ولي: "ماذا تريدون منا نحن المراهقين؟ المجتمع يتكلم عنا كأننا طفرة لكننا فئة غير موجودة في التفاعل التربوي والاجتماعي". الصغارُ لا يستطيعون التعبير الراقي "كما أسموه" إلا بإدخال الجمل والمصطلحات الإنجليزية، وكأن الإنجليزية هي اللغة الأم، شيء آخر سأحكي لكم عنه لاحقا.. أيضا. ويقولون: "نحن (أكبر مصائب) هذا المجتمع، وأنتم لا تشعرون بنا، تتكلمون بينكم عن السياسة والاقتصاد، أو تتخاصمون على مواضيع المجتمع والأجندات المختلفة، إلا نحن. نسمي أنفسنا "فئة الشبح" Phantom Class بينما هذه الفئة الشبحية هي نواة المجتمع القادم وتؤثر في الحاضر. هل تعرف أننا نحمل سكاكين معنا؟ هل تعلم أن ثلاثة منا مدخنون "رسميون"؟ هل تعلم أننا نتقاتل على الكراسي حتى لا يكون ولد من طائفة أو قبيلة أخرى بجانبنا؟ قد لا يحدث هذا في مدرستنا إلا قليلا لأننا بمدرسةٍ خاصة. ومسألة أننا نحمل سكاكين، أو ندخّن.. هي بمثابة "لعب عيال"، مقارنة بالأولاد في (المدارس الحكومية!) لم يأتِ لنا محاضر ولا مربٍّ ليتكلم عنا، وإنما للوعظ، أو مواضيع تربوية وعلمية نستفيد منها، ولكن ما زلنا أشباحا أمامهم. ليس هناك برامج في تلفزيوناتنا، ولا بالجرائد لنا، فنضيع بين الطفولة التي تهتمون بها، والشباب الذين تهتمون بهم.. ونبقى أشباحاً، فنلجأ لأجهزتنا المحمولة من أي نوع، نقول لك شيئا: هذه الأجهزة هي نديمتنا وصديقتنا الوحيدة ـ فلا أب يسأل - بس يهاوش - ولا أم حاضرة إلا بالسؤال الأبدي: "ذاكرتوا؟ حليتوا الواجب؟ ترا والله آخذ الجوال منك أو الآي باد" هنا فقط نكون حاضرين.. ثم نعود أشباحا من جديد. هذا ما دار بيني وبينهم، لم أقدّم حلولا، ولكن استمعتُ لهم، وربما هذا ما كانوا يريدون. ولم أنتقد تصرفاتهم ولا أقوالهم.. خصوصا أني تألمت بشدة أنهم يعرفون عن الملك آرثر وطاولته، ولا يدركون أي شيء عن تاريخهم إلا قوالب غامضة.. لأن صناعة الأفلام والأسطوانات الممغنطة خطفت عقولهم عن طريق الأفلام والألعاب ومزج الإرث الغربي وأساطيره، ويدمنون عليه إدمانا مرَضيا. وأقلقني ازدياد ظاهرة بين الصغار هي نسيان العربية الفصحى والتعبير بالإنجليزية، لحرص الأهالي على المدارس الأهلية التي تكون الإنجليزية هي الحاضرة الأولى. لمست هذا واضحا بالشرقية وبالرياض وجدة.. ويزداد. على العقل والضمير العامّين في البلاد وبسرعة نقل الفئة الشبحية للواقع الحاضر أمامنا وحولنا. .. كفانا أشباحاَ!
إنشرها