Author

النفط الصخري ومستقبل الطاقة

|
كنت قد كتبت عدة مقالات مضمونها التقليل من أهمية إنتاج النفط الصخري في أمريكا حالياً ومستقبلاً. ويعتقد بعض الإخوان أنني بهذه الطريقة أنزع الخوف من الدول الخليجية التي كان عليها أن تنوِّع الدخل من أجل ضمان حياة كريمة لشعوبها بعد نضوب ثرواتها النفطية. أي أننا لو قبلنا بمصداقية التهويل الإعلامي الذي يصاحب هذا الحدث الجديد في عالم النفط وينذر بهيمنة الصخري على حساب إنتاجنا من النفط التقليدي "الرخيص" لربما كان ذلك حافزاً لدولنا على سرعة اتخاذ القرارات اللازمة لتنويع الدخل الذي هو من ضروريات متطلبات مستقبلنا. ورغم حسن نيات أولئك الأصدقاء ووجاهة الاعتراض، إلا أنني لا أتفق مع هذا الطرح لسبب بسيط وهو أن الإسراف في الإنتاج، وهي حقيقة لا مراء فيها، أكثر خطراً على مستقبل ثرواتنا النفطية من "مجرد تهديد!" النفط الصخري الذي قد يكون أو قد لا يكون. وكان بودنا لو أن جهودهم المشكورة كلها تبذل للتعبير عن رأيهم حول إنتاج كميات تفوق متطلبات الشعوب الخليجية الاقتصادية، وهي عبارة عن فوائض مالية سنوية كبيرة تمثل التهديد الحقيقي لمستقبل القاطنين فوق أرض هذه الصحراء وليس النفوط الصخرية التي تحتاج إلى عقد من الزمان قبل معرفة طبيعة مستقبلها. ولو كانت هناك عزيمة صادقة وقليل من الحكمة وبُعد الرؤية لبذلنا أقصى جهد لإيقاف هذا النزيف لثرواتنا وإيجاد مصادر للدخل لا تعتمد على المشتقات النفطية بأسرع وقت ممكن، بصرف النظر عن وجود نفط صخري أو غيره من مصادر الطاقة. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن غالبية قيادات الخليج لديهم الرغبة في التنويع. ولكن البرامج نفسها لم تُوكل لمواطنين لديهم الحماس وحسن التخطيط وبراعة إدارة المشاريع التنموية التي تتناسب مع بيئة شعوب الخليج وإنتاجية الفرد الخليجي. ويكفي أنه قد مضت عقود على بدء التفكير بضرورة تنويع الدخل ولكن بدون نتائج ملموسة على أرض الواقع. أما موضوع إنتاج النفط الصخري الذي هو الآن محصور في الولايات المتحدة، فالأمانة تحتم علينا تفنيد الكثير من الادعاءات والتخمينات والتوقعات التي يطلقها من لهم مصالح استثمارية خاصة أو ليس لديهم خلفية علمية عن طبيعة الإنتاج النفطي من مكامنه. لأن المبالغة الشديدة في تضخيم مستقبل إنتاج النفط الصخري تعطي الانطباع بأنه من الأفضل لنا، نحن منتِجي النفط التقليدي الرخيص، أن نستمر في استنزاف ثرواتنا النفطية بإسراف قبل أن يكتسحها النفط الصخري غير المحدود، حسب اعتقادهم. والكثيرون يظنون أن الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط الصخري سوف لا محالة تتبع خطوات الولايات المتحدة وتنتِج منه كميات هائلة ستغرق السوق النفطية. وهذا بعيد كل البعد عن الواقع ولا يتماشى مع المنطق. فأمريكا تتمتع بوضع لا يمكن تطبيقه خارجها في الوقت الحاضر وربما المنظور. فهي كانت تمتلك من أجهزة الحفر العاطلة عن العمل والمعدات الأخرى ما سهل لها التوسع في أعمال الحفر. إلى جانب مميزات ثانوية مثل توافر الأيدي العاملة المدربة ورأس المال والمنافسة الشرسة بين مئات الشركات، وهو ما لا تجده في معظم الدول الأخرى. وبما أن معدل كميات إنتاج بئر الصخري ضئيلة لا تتعدى 100 إلى 150 برميلاً في اليوم، فهذا يتطلب وجود أعداد كبيرة من أجهزة الحفر المكلِفة. وكما هو معروف، بئر الصخري تفقد 50 إلى 70 في المائة من إنتاجها خلال السنة الأولى. وزبدة الكلام أن إنتاج النفط الصخري في وقتنا الحاضر عند الأسعار الحالية خارج أمريكا غير مجدٍ اقتصادياً، وهو ما ينفي مقدرته على منافسة النفط التقليدي تحت أي ظرف من الظروف. وهذا لا يعني أننا نستمر في إسرافنا في الإنتاج ونتجاهل أننا نتعامل مع مورد ناضب. بل يجب أن نسرع إلى تنويع دخلنا ونحاول تقليل اعتمادنا على المصادر النفطية، ليس خوفاً من الاستغناء عنه ولا من المصادر الصخرية، بل من أجل إطالة عمر هذه الثروة التي تزيد قيمتها مع مرور الوقت وقرب نضوبها. وهناك شعور مفعم بالانبهار في الدول الأوروبية وروسيا والصين من نجاح أمريكا في إنتاج النفط الصخري اقتصادياً. ويعتقدون أن بإمكانهم إنتاجه بالسهولة التي تتعامل بها أمريكا مع مخزونها النفطي، إذا خفضوا قليلاً من القيود البيئية. وهذا غير صحيح لأن عوائق إنتاج الصخري خارج أمريكا "لوجستية" واقتصادية بسبب شح الإمكانات المحلية المتمثلة في عدم توافر معظم المعدات الثقيلة بالكميات المطلوبة. ومهما بلغ مستوى الرغبة في تقليد الإنتاج الأمريكي في الدول التي لديها احتياطيات كبيرة من النفط الصخري، فلن يكون ذلك كافياً لنجاحها. ومن الأفضل أن تكون دراسة الجدوى الاقتصادية مبنية على أسس ميدانية سليمة ولا يكون الهدف مجرد تحقيق رغبات. ولعل ما تقوم به حالياً بعض الجهات الأوروبية من استكشاف محدود يعطي صورة أكثر وضوحاً لمستقبل النفط الصخري عند الأسعار العالمية السائدة في هذه الفترة. ومنها يقررون مدى إمكانية إنتاجه اقتصادياً وعند أي مستوى من الأسعار. ومهما كان من الأمر، فإن كميات إنتاج النفط الصخري، التي قد لا تتعدى في أحسن أحوالها خمسة إلى ستة ملايين برميل في اليوم على مدى العقود القادمة، لن يكون لها أثر كبير على الإنتاج العالمي من النفط التقليدي الذي يكون حينئذ قد فقد أضعاف هذه الكمية نتيجة للنضوب الطبيعي. ومن الواضح من الدراسات والتنبؤات أن مستقبل الطلب على الطاقة سيفوق بنسبة كبيرة الكميات المتوافرة من أنواع النفوط التقليدية وغير التقليدية، بصرف النظر عن التقديرات التي تظهر فوائض إنتاجية في دول أوبك وخارجها خلال العشرين والثلاثين سنة القادمة. والسبب أن الهيئات والمراكز المتخصصة التي تُعنى بمستقبل مصادر الطاقة تكون دائماً متفائلة أكثر من اللازم من إمكانية وفرة الإنتاج من الحقول المنتِجة التي معظمها الآن قد تعدى مرحلة الذروة.
إنشرها