Author

وزارة الإسكان وتشكيل البيئة الضبابية

|
مطور عقاري صغير ومثله المئات إن لم يكن الآلاف ينتج في كل دورة نحو 20 فيلا، وعشرات من المطورين المتوسطين الذين ينتجون من 50 إلى 150 فيلا في الدورة الواحد وآخرون تخصصوا في إنتاج شقق التمليك وكثير وعشرات الآلاف ينتجون شقق الإيجار وهكذا.. سوق عقارية نشطة في الإنتاج تلبي الطلب أولا بأول، ومن فضل الله ما أن ينتهي أي من هذه المشاريع التطويرية حتى ويتم بيعه رغم مشاكل التمويل التي يتحدث عنها الكثير، الأمر الذي يؤكد أن هناك طلبا كبيرا قائما على توفر الحاجة والقدرة معاً. منذ أكثر من سنة الكثير من هؤلاء المطورين توقفوا عن التطوير وأوقفوا خط الإنتاج، حيث خطوط إنتاجهم لا تشتمل الآن إلا على المشاريع التي في مرحلة التشطيبات الأخيرة أو مرحلة البيع بعد أن كان خط الإنتاج يشتمل على مشاريع في مرحلة التفكير وأخرى في مرحلة التصميم وثالثة في مرحلة الإنشاءات الأولى ورابعة في مرحلة التشطيب وخامسة في مرحلة التسويق والبيع، وعند سؤال بعضهم عن ذلك يقول إن السوق العقارية ضبابية وإن وزارة الإسكان صنعت هذه الضبابية بدعاوى تبرير فشلها في حل المشكلة الإسكانية التي تعاطت معها منذ أن كانت هيئة للإسكان بأسلوب التجربة والخطأ بدل أن تحلها بالتخطيط السليم بالاسترشاد بالتجارب العالمية المشابهة لواقع المملكة بجميع تفاصيله دون مكابرة أو مبالغة. كثير من المواطنين في السوق العقارية يشتكون الشكوى ذاتها من وزارة الإسكان التي قتلت السوق العقارية بتصريحات مسؤوليها وبما يسربونه للصحف من مقترحات مشاريع فرض رسوم أو ضرائب على الأراضي البيضاء قبل أن تأخذ حقها من النقاش والتداول في جهات الاختصاص ومعظمهم يقول إن السوق العقارية راكدة ركودا سلبيا على الجميع فلا الأسعار ستنزل ولا النشاط الإنتاجي يتسارع كما هو الحال قبل التصريحات ومعظمهم يؤكد أن التصريحات عطلت السوق نفسياً. أحد المطورين المتوسطي الحجم ممن التقيتهم لم يوقف خط الإنتاج وقال لي إنه ورغم الضبابية التي أحدثتها وزارة الإسكان وتأثيرها السلبي في صناعة إنتاج المساكن فإنني أجزم بأن السوق العقارية لن تتأثر بأي قرار يتعلق بإنتاج مساكن أو تطوير أراضي منح أو فرض رسوم وإن كان لذلك أثر سيكولوجي مؤقت في السوق كما حصل في بعض الدول المجاورة، ويقول أيضاً: بالنسبة لي كمطور فقد خدمتني الوزارة بتصريحاتها، حيث توقف الكثير عن الإنتاج مما سيحد من المنافسة مستقبلاً ولكن بكل تأكيد التصريحات ذات أثر سلبي في السوق الإسكانية. أكثر من مرة كتبت ومنذ أن كانت وزارة الإسكان هيئة للإسكان أنه يجب على الوزارة أن تعمل بذكاء على تقوية عناصر السوق الإنتاجية من مطورين ووسطاء ومستفيدين لتطوير السوق العقارية عموماً والإسكانية على وجه الخصوص لتؤدي دورها في التصدي للقضية ولا أقول المشكلة الإسكانية، والدولة ــــ رعاها الله ــــ انتبهت منذ أكثر من خمس سنوات نتيجة لحراك فكري بشأن عنصر التمويل كمتغير حاسم في التصدي للقضية الإسكانية وشرعت في تطوير المنظومة التمويلية للسوق العقارية والتي يشكل الإسكان منها أكثر من 70 في المائة كما هو معتاد، وكان من نتاج ذلك تطوير آليات التمويل الحكومية والخاصة والتي مكنت الكثير من المواطنين من شراء المساكن الملائمة لهم بضمان دخولهم الشهرية. وزارة الإسكان رغم تخبطها هنا وهناك إلا أنه كما يبدو لي بدأت تنصاع وتتماهى مع قوة عناصر السوق وبدأت بالتخلي عن كثير من الثوابت التي وضعتها بعد أن فشلت في إمكانية لعب دور المطور المباشر كما بدأت بالتخلي عن التطوير الأفقي "فيلا لكل مواطن"، وأصبحت على قناعة أن هناك من المتغيرات الاقتصادية والثقافية التي أشار إليها الكثير من العقاريين قبل أكثر من عشر سنوات والتي تستوجب التحول للتطوير الرأسي، حيث الكثير من الأسر السعودية الصغيرة يتحقق لها السكن المريح والاقتصادي على شكل شقق وليس فلل، وبكل تأكيد الشعب السعودي ليس بدعاً من الشعوب إذ يرضيه ما أرضى الشعوب الأخرى الأكثر ثراء وغنى من بلادنا كالبلاد الغربية التي خضعت لقوى السوق واستجابت للمتغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في القضية الإسكانية وغيرها. وزارة الإسكان عليها مهمة كبيرة وهي مهمة التصدي للقضية الإسكانية وهي قضية ليست معقدة كما يوحي البعض، فالمملكة، ولله الحمد والمنة، لديها من القدرات الإنتاجية الهائلة للمساكن بجميع أنواعها متى ما تم تنظيم السوق وتطويرها وتحفيز المطورين بجميع أنواعهم وترك قوى السوق تأخذ مسارها دون تدخل عاطفي جماهيري غير مدروس، وكل متخصص يعلم أن القضية الإسكانية يمكن التصدي لها بالتمويل الفعال وهو التمويل بشروط كالتي وضعتها الوزارة حالياً لتوزيع المساكن التي أنتجتها، وبكل تأكيد التمويل الفعّال لا يشمل سوى الطبقة المتوسطة القادرة على المحتاجة للتمويل لشراء المساكن والقادرة على السداد طويل الأجل ولا يشمل الأثرياء القادرين على الشراء فهؤلاء يطورون مساكنهم كيفما يشاءون، ولا يشمل كذلك الطبقة دون المتوسطة التي يجب معالجتها من خلال برامج الإسكان التنموي وهكذا هو النظام في الدول الناجحة في القضية الإسكانية كافة. ختاماً أتطلع إلى أن تتفرغ وزارة الإسكان لتنمية قوة عناصر السوق الإسكانية وتجعل الصورة المستقبلية شفافة وواضحة ليصبح المطورون أكثر تحفزاً وقدرة على إنتاج أنواع المساكن كافة، وأن تترك قضايا أسعار العقارات لقوى السوق من ناحية ولوزارة الشؤون البلدية والقروية من ناحية أخرى وتتفرغ لمهمتها الأساسية بالتصدي للقضية الإسكانية بالاسترشاد بالتجارب العالمية الناجحة.
إنشرها