Author

الدور التنموي لإمارات المناطق

|

قال لي أحد أبناء المناطق الحدودية إن التنمية في هذه المنطقة تعتمد بشكل كبير على إمارة المنطقة فإذا قويت الإمارة في شق التنمية نمت المنطقة بما يتناسب والإنفاق الذي تنفقه الدولة، رعاها الله، وبما يتناسب وإمكانات وقدرات المنطقة، خصوصا من القدرات البشرية المميزة والمؤهلة والموهوبة، وإذا تركت الإمارة هذا الدور واكتفت بتسيير الأعمال ومتابعة الحقوق والشكاوى ومعالجة المشكلات، أو قامت بدورها التنموي بشكل ضعيف فإن المنطقة تنمو بشكل ضعيف، وتعاني المشكلات المتكررة والمتراكمة الأمر الذي يجعلها منطقة طاردة للسكان بدل أن تكون جاذبة له ما يجعل سكانها في حالة نمو بطيء.
المناطق الحدودية على وجه الخصوص يجب أن تكون جاذبة، ويجب أن تنمو عمرانيا وسكانيا بشكل كبير لما لذلك من أهمية في أمن الحدود، وبالتالي الأمن الوطني، وهذا يتطلب خططا تنموية لهذه المناطق لتكون جاذبة ليبقى أهلها فيها أولا، ويتكاثروا بنسب عالية ثانيا، وليأتي لها المواطنون من مناطق الوسط ليعيشوا ويعملوا فيها ثالثا.
ويبدو لي أن مشكلة النمو السكاني في المناطق الحدودية ازدادت بعد أن انخفضت نسبة النمو السكاني في المملكة بشكل عام حيث بدأت الأسرة السعودية في الانكماش في العدد نتيجة الوعي التربوي والاقتصادي ومراعاة تكاليف المعيشة، وزيادة الاحتياجات حيث أصبح كثير من الكماليات بحكم الضروريات ومن ذلك وسائل التواصل التقني من هواتف ذكية وكمبيوترات ثابتة ومحمولة ومتطلباتها من الخدمات الاتصالية "الواي فاي"، ومن ذلك كذلك السفر للدارسة والسياحة والتنزه داخل البلاد وخارجها.
ولا شك أن ارتفاع تكاليف الحياة كأجور السكن، وأسعار المواد الغذائية، ومواد التجميل، والملابس والأحذية، والسيارات ووسائل النقل عموما، وارتفاع تكاليف الزواج كلها مجتمعة أصبحت تعيق الزواج وتؤخره من ناحية.
وكما يبدو لي أن الدور الكبير لإمارات المناطق سيكون في الدور التنموي من خلال وكالة الشؤون التنموية في الإمارة وذلك في إطار "رؤية المملكة 2030" باعتبار أن التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أولوية كبرى، وهذا ما تبين كما يبدو لي في الاجتماع الأول لوكلاء إمارات المناطق الذي عقد في مقر إمارة منطقة تبوك الأسبوع الماضي ورأسه وكيل وزارة الداخلية الدكتور ناصر بن عبد العزيز الداود حيث أكد الدور المهم لإمارات المناطق في التكامل التنموي والاقتصادي لتحقيق برنامج الوطني الكبير، ودور مجالس المناطق في برنامج "التحول الوطني"، ودعم التحول التقني في إمارات المناطق.
وإذا كان الأمر كذلك فهل لدى إمارات المناطق الخبرات والإمكانات المالية والنظامية اللازمة والكافية للقيام بهذا الدور المهم والحيوي؟ هل لديهم الإمكانات المالية للاستعانة بمستشارين متخصصين في مثل هذه الأمور ليتسنى للإمارة قيادة دفة التنمية في المنطقة؟ وهل لدى إمارة المنطقة من الصلاحيات الإدارية التي تمكنها من تشجيع ومكافأة المسؤولين المتعاونين والعاملين بجد واجتهاد في تحقيق الأهداف التنموية المرسومة لهم من وزاراتهم في إطار خصوصية المنطقة وظروفها، وكذلك تمكنها من مساءلة المسؤولين المتقاعسين جميعا دون استثناء بما في ذلك من هم في المراتب الوظيفية العليا؟
حسب علمي أن كثيرا من المسؤولين قد يميلون لمسار تسيير الأعمال اليومية وتنفيذ الخطط المرسومة بالحد الأدنى، وبعضهم مع الأسف الشديد يميل لحماية نفسه من الأخطاء على حساب المبادرة في العمل والإنجاز والإبداع لتحقيق الأهداف التنموية المرسومة لفرع الوزارة أو الهيئة أو المصلحة التي يديرها، فيما أن هناك مسؤولين يميلون للتفكير الإبداعي لحشد الجهود والطاقات وأخذ المخاطرة لتطوير برامج ومشاريع تنفيذية بالتعاون مع الإمارة والأجهزة الحكومية الأخرى ذات الصلة لتحقيق الأهداف التنموية بأسرع وقت وأقل تكلفة وأفضل جودة.
ولذلك قد يكون من الضروري الالتفات للدور التنموي الكبير والمتنامي لإمارات المناطق وتوفير كل الإمكانات اللازمة لتعزيز قوة الإمارة وتمكينها من النهوض بهذا الدور، ورصد موازنة خاصة لذلك لاستقطاب الكفاءات البشرية وكذلك استقطاب المستشارين في كل مجالات التنمية، وخصوصا في جوانب الجودة، والحوكمة، والتطوير المؤسسي، والتخطيط الاستراتيجي، والاستثمار، وكذلك في مجالات التنمية الاجتماعية وتنمية الخدمات الأساسية، والمقومات الاقتصادية لكل منطقة حسب معطياتها ومميزاتها التنافسية.
ولا شك أن المناطق الحدودية تحتاج إلى الدعم بشكل أكبر من غيرها لعدة أسباب أهمها أن هذه المناطق تحتاج إلى الكفاءات التي تبحث عن التميز الوظيفي والدخل العالي، لكن من المتعارف عليه في هذه المناطق أن مسؤوليها يتمنون الانتقال للمناطق الأخرى، وفي أحيان كثيرة تكون مرحلة عملهم في هذه المناطق تمهيدا لنقلهم للمدن الرئيسة، وكذلك إن هذه المناطق أقل جذبا للسكان لعدم توافر بعض الخدمات النوعية والاجتماعية وكذلك المقومات الاقتصادية مقارنة بالمدن الرئيسة.
المناطق الحدودية ومنها على سبيل المثال لا الحصر تبوك، والجوف، والحدود الشمالية إجمالي مواطنيها نحو 1.3 مليون نسمة فقط، وبالتالي يجب الالتفات لها بشكل كبير وبفكر تنموي استراتيجي وبتركيز لتنمو سكانيا وعمرانيا وتزدهر اقتصاديا، ولله الحمد والمنة بوادر ذلك جاءت في مشروع نيوم، ومشروع وعد الشمال. ويتحرى أهالي هذه المناطق تفعيل دور إماراتها التنموي لتحقيق قفزات تنموية جاذبة للسكان بشكل كبير.
وتعتبر إمارات المناطق مركز الحكم الإداري الذي متى ما نشط نشطت كل فروع الأجهزة الحكومية، والمؤسسات الخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك الأفراد المهتمين بكل أنواع القضايا، وبات من الضروري دعمها بجميع الإمكانات لتلعب دورها التنموي المنشود على أكمل وجه.

إنشرها