Author

جامعاتنا .. وتنافسية القوى العاملة الوطنية

|

أحد العاطلين عن العمل من الحاصلين على شهادة البكالوريوس من إحدى الجامعات الحكومية قال لي إنه دائما ما يفشل في اجتياز المقابلات الشخصية، وهو يعتقد جازما أن ذلك يعود لضعف تأهيله في مجال التسويق من جهة وضعف تأهيله مهاريا في جوانب باتت مهمة وتحرص عليها الشركات مثل مهارة اللغة الإنجليزية كتابة ومحادثة، ومهارات الحاسب الآلي، ومهارات التواصل مع الآخرين، والمهارات الذهنية، ومهارات التفكير الإبداعي والعمل ضمن الفريق وتحت الضغط.
ويؤكد هذا الشاب المتسلح بشهادة تثبت تحصيله العلمي على الورق إلا أنها لا تثبته على أرض الواقع، أن ما لاحظه في معظم المقابلات الوظيفية أنها باتت تركز على القيم والمفاهيم والسلوكيات والمهارات بدرجة أعلى من التحصيل العلمي في التخصص، وأنه دائما ما يخفق في اجتياز المقابلات الشخصية بسبب ضعفه فيما يسمى اليوم الذكاء الفطري وليس بسبب التحصيل العلمي الذي يؤكد كذلك أنه ليس بالدرجة المقنعة لمن يجرون المقابلات الشخصية معه، حيث يشعر أن ما اكتسبه من الجامعة من علوم في مجال تخصصه يكاد يكون سطحيا لدرجة كبيرة، وأنه يميل للكلام النظري الذي تبخر بعد أداء الامتحانات أكثر من التطبيق العملي الذي يرسخ في الذهن بشكل كبير.
وباختصار يؤكد هذا الشاب أنه ليس منافسا قويا للحصول على الوظائف المتاحة خصوصا المجزية منها التي يتمناها كل خريج جامعي. وعندما سألته فيما إذا أدرك مفهوم المنافسة قبل التخرج أم بعده؟ قال ليته أدرك ذلك قبل التخرج ليقضي أوقاتا أطول في الدراسة والبحث لاكتساب المعارف والمهارات وممارستها أثناء الدراسة وهي الفترة المثلى لاكتساب كل ذلك، ولكنه مع الأسف لم يدرك معنى المنافسة إلا بعد أن تخرج وأجرى كثيرا من المقابلات الوظيفية وخسرها ولم يتم الاتصال به، بينما تم قبول خريجي الجامعات الأهلية التي سلحت طلابها بالمعرفة والمهارات والمفاهيم والقيم التي جعلتهم منافسين على الوظائف بشكل كبير.
وتعليقا على ما قاله الشاب العاطل عن تجربته في البحث عن وظيفة تليق به كجامعي، وطموح للعمل في وظيفة تحقق طموحاته، أقول إن مفهوم "التنافسية" أو "المنافسة" مفهوم مهم وحيوي يجب أن يرسخ في نفوس الطلبة في المراحل الأخيرة من التعليم العام، ليعرفوا أن عالم الوظائف والفرص الاستثمارية ليس بالعالم السهل والهين الذي يمكن الولوج إليه بقدرات وإمكانات متواضعة، وأن المنافسة قضية لا تتوقف عن الحصول على الوظيفة فقط، بل إنها عملية مستمرة للمحافظة على الوظيفة والترقي في مراتبها أو درجاتها، وكذلك في الحصول على المكافآت السنوية، وعلى القدرة في كسب مزيد من المعارف والمهارات والخبرات.
رسوخ مفهوم المنافسة لدى الشباب في مراحل التعليم الأخيرة وفي مرحلة التعليم الجامعي يجعلهم يقبلون على تلقي العلوم والمعارف والمهارات باتجاهات ومواقف وسلوكيات إيجابية تتجاوز إقبالهم عليها لاجتياز الاختبارات للتخرج فقط، إذ إن رسوخ مفهوم المنافسة سيجعل الشباب يركزون على اكتساب العلوم والمعارف والمهارات لتكون جزءا من شخصيتهم وجدارتهم الدائمة التي يطورونها بمرور الوقت بمزيد من القراءة والتدريب خارج قاعات الدراسة وخارج المناهج المقررة ليتفوقوا على أقرانهم للفوز بالفرص الوظيفية والترقي بدرجاتها، وليكونوا موارد بشرية منافسة قادرة على تعزيز تنافسية المنشآت التي يعملون فيها لتتمسك بهم كثروات بشرية بدل أن يتمسكوا بها وهم يخشون الفصل في أي لحظة.
الجامعة هي المرحلة الدراسية الأخيرة التي تدفع بالطلاب لمواجهة الحياة ولسوق العمل، وكلما كانت الجامعات تدفع بخريجين منافسين، انخفضت نسبة من لا يجدون فرصة عمل من خريجيها، وسعدت المنشآت الاقتصادية بموارد بشرية، تدعم قوتها في المنافسة وبالتالي رفع مستوى كفاءاتها في استخدام مواردها وزيادة إنتاجيتها كما ونوعا، وبالتالي قدرتها على تحقيق رضى المراجعين أو العملاء، وهذا يبين لنا أهمية الدور الذي تلعبه الجامعات في معالجة القضايا الاقتصادية الكلية كالبطالة، وإجمالي الناتج المحلي، وحجم الصادرات، وكفاءة استخدام رأس المال، ونسبة البطالة، إلى غير ذلك من القضايا.
عدم استشعار بعض مديري الجامعات دورهم المهم والحيوي في التصدي لكثير من القضايا الاقتصادية، وقضايا الحياة، واهتمامات الدولة ــ رعاها الله ـــ جعلهم يتقوقعون في نظرة جزئية تتمحور حول نسبة الخريجين، ونسبة التسرب من التعليم الجامعي، دون النظر للصورة الكلية، ما جعل هذه الجامعات لا تلعب دورها المنتظر في رفع تنافسية الموارد البشرية الوطنية ذات الأثر الحاسم في رفع تنافسية الاقتصاد الوطني بالمحصلة.
أيضا بعض أعضاء هيئة التدريس لا ينظرون لأهمية غرس القيم والمفاهيم والحماس في نفوس الطلاب، إضافة إلى رفدهم بالمادة العلمية لعدم اهتمامهم بمستقبل الطالب في سوق العمل وأثر تنافسية الطلبة السعوديين في معالجة كثير من القضايا التي تعانيها البلاد ومن ذلك نسبة البطالة خصوصا لدى النساء.
الجامعات التي تؤمن وتأخذ تنافسية طلبتها بعين الاعتبار وأثر ذلك في تنافسية منشآت الدولة وتحقيق أهدافها، طورت منهاجها وهيئاتها التدريسية ووسائلها من خلال بناء الشراكات مع الجامعات التي لديها برامج تعليمية قوية ومؤثرة ومجربة لنقل هذه التجربة من ناحية، كما قامت ببناء شراكات مع شركات القطاع الخاص الكبيرة والأجهزة الحكومية المهتمة بجودة المخرجات التعليمية لتطوير المناهج بما يتناسب ومستوى الأداء والتنافسية الذي تتطلع له هذه الجهات ما جعلها تخرج طلبة تتزاحم الشركات على الجامعة للظفر بهم.
ختاما، أتطلع إلى أن تلزم وزارة التعليم كل الجامعات، إضافة إلى المدارس الثانوية في السنة الأخيرة، بضخ مفهوم التنافسية وكل أبعاده وآثاره في نفوس الطلاب والمعلمين، وأن تعمل على تزويد طلابها بجميع ممكنات المنافسة لتخرج كوادر بشرية مؤهلة واثقة ذات شخصيات متزنة ومميزة ومنافسة في أسواق العمل المحلية والدولية، وقادرة على نقل المنشآت التي تعمل فيها إلى آفاق تنافسية كبيرة.

إنشرها