Author

وطن طموح بحكومة فاعلة ومواطن مسؤول

|

كل من لديه خبرة في التخطيط الاستراتيجي يدرك أن الحكومة كرست لنجاحها في تطبيق برامجها الاقتصادية المطروحة متطلبات التخطيط الاستراتيجي كافة، حيث قامت بتحليل وتشخيص يستند لدراسات ومعلومات وافية، وفلسفة فكرية عميقة، واحتوت على كل مكونات الخطة الاستراتيجية بشقيها الموضوعي والتنفيذي، كما احتوت مؤشرات أداء كمية واضحة ودقيقة، وتغذية راجعة تمكن فريق إعدادها من تطويرها بمرونة عالية، وهو ما اتضح في برنامج "التحول 2020"، حيث صدرت النسخة الثانية منه بعد الانطلاق في تطبيق النسخة الأولى وقياس الأداء على أرض الواقع والاستفادة منه في إعادة الصياغة بما يتناسب والمعطيات.
ومعلوم أن العمل دون رؤية استراتيجية يعني تلقائيا العمل بعشوائية وفوضوية تهدر الإمكانات بشكل كبير، حيث تتشتت الجهود والموارد، ولا تتركز نحو محطة وصول.
وطالما أن "رؤية السعودية 2030" واضحة في أهدافها، فإن علينا جميعا خصوصا النخب المثقفة والمتعلمة ومن هم في مواقع المسؤولية قراءة واستيعاب مكونات هذه "الرؤية"، ليس فقط في مضامينها الاقتصادية، بل فيما هو أساس موضوعي فيها فهو الجانب الفكري الفلسفي، لكي يسهم كل منا في موقعه في دعم عوامل نجاحها مهما كانت درجة المساهمة، حتى على مستوى الكف عن التشكيك وتسقّط السلبيات أو القدرة التي تستغرقها في تطبيقها، لبث الإحباط بين الناس.
لذلك، فمن موقع المواطنة علينا ابتدء أن نفهم محاورها الرئيسة "مجتمعا حيويا، اقتصادا مزدهرا، وطنا طموحا"، ولذلك قمت بقراءة هذه المحاور بتفاصيلها، وأحببت أن أشارك القارئ الكريم فيما استوعبته، وكذلك إبداء ملاحظاتي حيال بعض ما قرأت، لعلنا نتعاون في الاستيعاب والإدراك، ومن ثم المساهمة بفاعلية في تحقيق "الرؤية".
ولعلي أبدأ بمحور "وطن طموح"؛ إذ إننا جميعا نعيش في سفينة هذا الوطن الذي يحتضننا ونحتضنه، ونسعى جميعا ليكون وطنا متقدما بكل مؤشرات التقدم والحضارة، والمشاركة في تقدم الإنسانية في الوقت ذاته الذي نطمح لأن يكون الوطن بيئة محفزة لنا جميعا؛ لنحقق طموحاتنا الشخصية وطموحاتنا في المساهمة في تنميته بكل المجالات حسبما وهبنا الله به من مواهب أو قدرات، وسمات شخصية فطرية، وما اكتسبناه في البيئة من علوم ومعارف ومهارات وخبرات.
وأوضحت "الرؤية" أن الوصول إلى الوطن الطموح يتطلب حكومة فاعلة ومواطنة مسؤولة، ومن ثم فصلت في كيفية الوصول إلى حكومة فاعلة، كما فصلت في شق المواطنة المسؤولة على مستوى الأفراد وقطاع الأعمال والقطاع غير الربحي، وبينت "الرؤية" أن الوطن الذي ننشده لا يكتمل إلا بتكامل أدوارنا، فلدينا جميعا أدوار نؤديها سواء كنا عاملين في القطاعين الحكومي أو الخاص أو غير الربحي، وأن تحقيق المنجزات والمكتسبات التي لن تأتي إلا بتحمل كل منا مسؤولياته من مواطنين، وقطاع حكومي، وقطاع أعمال، وقطاع غير ربحي، مؤكدة أن هناك مسؤوليات تجاه وطننا ومجتمعنا وأسرنا وتجاه أنفسنا كذلك في الوطن الذي ننشده.
وهنا أود أن أوضح بعض النقاط المهمة - من وجهة نظري - من خلال تجربتي وملاحظاتي؛ حيث إنه - وحسبما يبدو لي - الثقافة تشكل عائقا كبيرا أمام تحمل كل مواطن مسؤوليته أيا كان موقعه مسؤولا في القطاعات الحكومي أو الخاص أو غير الربحي، والثقافة هنا أعني بها منظومة القيم والمفاهيم وأساليب التفكير لدى المسؤولين، ولا أعني بها القدرات المعرفية والفنية التخصصية.
ولعل أول قيمة مهمة وحيوية بل حاسمة في موقف وسلوكيات أي مسؤول في أي قطاع، وبالتالي دوره في تحقيق تطلعاتنا لوطن طموح هي قيمة "المسؤولية" ومفهومها لدى المسؤولين الذين يشكلون النسبة الأقل، إلا أنها النسبة الفاعلة لكونها في موقع سلطة كالرأس من الجسد، ومن الطبيعي أن قيمة المسؤولية إذا ما توافرت لدى المسؤول بمفهومها الصحيح فسيكون لديه في الوقت ذاته منظومة قيم أخرى داعمة منها الإتقان والعطاء والاحترام والعدالة والمساواة.
ولعل أهم مسؤول من المسؤولين في القطاعات الثلاثة هو المسؤول الحكومي؛ لكون الحكومة ما زالت المنفق الأول، إضافة إلى كونها مصدر التشريعات والأنظمة واللوائح والإجراءات، كما أنها المطبقة لها والمتابعة لتنفيذها، وهي المسؤولة عن تشكيل المواطن معرفيا وثقافيا من ولادته حتى عمله مرورا بمراحل تعليمه في كل المراحل التعليمية، وبالتالي فإن المسؤول الحكومي يشكل النسبة الأعلى والأهم بالوصول إلى مرحلة الوطن الطموح، ولذلك أكدت "الرؤية" الوصول إلى حكومة فاعلة من خلال العمل وفق معايير عالية من الشفافية والمساءلة، والالتزام بإدارة موارد الدولة المالية بكفاءة واقتدار، كما أكدت التفاعل مع الجميع.
الحكومة الفاعلة بالدرجة الأولى تتطلب مسؤولين يحملون قيمة المسؤولية والقيم المساندة لها، كما يحملون مفاهيم سليمة لقيادة الأجهزة الحكومية بالشكل الذي يحقق أهدافها ويطورها بشكل مستمر بمرونة عالية، تتواءم مع المعطيات والمتغيرات بشكل سريع، وإذا رأس أي جهاز حكومي مسؤول لا يحمل قيمة المسؤولية، ويغلب مصالحه الخاصة على المصلحة العامة، فغالبا يقضي على هذا الجهاز، وينحرف به عن تحقيق أهدافه مهما كانت الأوضاع والآليات التي تراقبه، وإن تم اكتشافه فغالبا يكون قد أضاع سنوات طويلة وأموالا طائلة وقدرات هائلة، ولا تتم معاقبته بما يتناسب وهذا الأثر السلبي والهدر الكبير.
لذلك ولكي نتمكن من الوصول إلى درجة الوطن الطموح بحكومة فاعلة ومواطنة مسؤولة، أتطلع إلى أن تتم غربلة كل المسؤولين وفق معايير دقيقة لمعرفة منظومة قيمهم ومفاهيمهم، وما تشكله تلك المنظومة من مواقف ومن ثم سلوكيات، فإن كانت المنظومة إيجابية فلتدعم بالتدريب والتأهيل، وإن كانت سلبية فليتم استبدالها عاجلا؛ لأنها فاقدة أسس الجدارة المتمثلة في المنظومة القيمية والمفاهيمية الصالحة، ولديها منظومة مختلة لا يمكن إصلاحها بسهولة وإن طال الزمن.

إنشرها