Author

من مال الشعب

|
تتفق التقارير الحكومية، أو التي تأتي من أطراف محايدة، إلى تلخيص وضع الصين بعد 30 عاما من اتباع منهج اقتصاد السوق بثلاث نقاط رئيسة هي: سرعة التنمية الاقتصادية وضمان استقرار الوضع السياسي وإشكاليات اجتماعية قوية. كما أن القارئ لعناوين الصحف الصينية يستوعب أن هناك نوعا من المطالبات الملحة، لحل عاجل للإشكاليات الخطيرة التي يمر بها المجتمع الصيني وأهمها الظلم والفساد نتيجة الفجوة الكبيرة ما بين الأثرياء والفقراء، الأمر الذي خلق تضاربا حادا في مصالح طبقات المجتمع، حيث ارتأت الدراسات أن تغير الحكومة، من ترتيب أولوياتها فهي خوفا من توسع مظاهر الغضب والاحتجاج، تبدي اهتماما ترقيعيا أكثر منه علاجا جراحيا لكثير من المشكلات. المصادر الصحافية، أشارت إلى وجوب تعاطي الحكومة بمرونة وعدالة، مع النزاعات التي ظهرت في السنوات الأخيرة مثل مصادرة الأراضي وهدم المنازل، وعدم دفع المعاشات المستحقّة للعمال المهاجرين والخلافات المختلفة في قضايا العمل. بمعنى آخر يجد القارئ أن كل المشكلات المذكورة عمليا قائمة على أساس من تضارب المصالح. الإشكالية الكبرى هي توصيف بعض مسؤولي الحكومة للنزاعات الداخلية، حيث نزعوا إلى إعطاء تلك الخلافات بعدا أيديولوجيا، بغية تحويلها إلى مشكلات ذات طابع ديني أو سياسي. فالخلافات من هذا الشكل يصبح حلها معقدا جدا مقارنة بالإشكاليات التي تحمل طابعا اقتصاديا خلافيا بين طبقة العمال وأصحاب العمل. إذاً، المشكلة تكمن أحيانا، في تشخيص أسباب مشكلات الناس. لأنه عندما تشخص الحالة تحت بند الصراع الديني أو السياسي فسيكون هناك إفراط في استخدام القوة لقمع الاحتجاجات. من جهة أخرى ابتدعت الحكومة في مؤسساتها، ما يعرف بصناديق الحفاظ على الاستقرار، يتم تمويلها ذاتيا من أموال كل مؤسسة. هذا الإجراء بات يسجل بعض الاعتراضات عليه، من حيث إن الحكومة تلجأ إلى شراء الأمن الاجتماعي بمال الشعب. للمفارقة فإن الترجمة الحرفية للرينمينبي أو اليوان، عملة البلاد الوطنية، هي مال الشعب. الانتقادات تتناول أيضا إفراط سلطات الأقاليم البعيدة عن المركز في استخدام القوة لقمع أي تحركات احتجاجية. لكن في دراسة تحليلية لاستطلاع آراء قام به أحد مراكز الأبحاث الصينية، وجد الإحصاء أن هناك غالبية تناصر تحول الدولة إلى الحكم المؤسساتي، الذي سيكون أكثر فاعلية وأقل تكلفة، خصوصا أن الوضع بدأ يدخل في دائرة مفرغة. فالوضع على أرض الواقع يقول إن ازدياد الإنفاق على القطاع الأمني ماديا وبشريا، يقابله تزايد وليس تناقصا في النزاعات الاجتماعية. في عام 2010 بلغت موازنة الأمن الداخلي أكثر من 54 مليار يورو، أي بزيادة نسبتها 16 في المائة مقارنة بالعام السابق. كما أن حصة 2009 الأمنية ازدادت بنسبة 9 في المائة على 2008. هذه الموازنة أصبحت تقترب كثيرا من الميزانية المخصصة للدفاع الوطني. إجمالا يبدو أن الشعب الصيني بغالبيته لا يشجع حل مشكلاته الاجتماعية عبر الاضطرابات أو عبر الاحتكام إلى العنف ولغة الشارع، لكن ما هو مؤكد أن الفروقات بين الشرائح الاجتماعية آخذة في التزايد بشكل مرعب. وقد تتخذ أشكالا مستفحلة الخطورة قد لا تنفع وسائل الضبط الحالية في السيطرة عليها.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها