Author

توريث الديون

|
في عام 1927، صاغ إلكسندر ساك وزير القيصر السابق في روسيا مبدأ الدين الشائن. جاءت الصياغة ضمن كتيب عمل عليه، بينما كان يعمل أستاذا للقانون في باريس بعد هجرته من روسيا بعد ثورة 1917. كان البروفيسور ساك مقتنعا بإمكانية نقل الدين من نظام إلى آخر إلا في حال كونه شائنًا. تعريف الدين الشائن هو كل دين يبرم من قبل نظام استبدادي، ليس بغرض مصالح الدولة ككل، بل بهدف قمع السكان وتعزيز نفوذ فئة قليلة تابعة للنظام الحاكم، إذ بمجرد توصيف الدين بأنه شائن يعد سكان البلد المعني غير ملتزمين بسداده، ويسقط بسقوط النظام الذي أبرمه. هذا الأمر لم يكن مصاغًا كمبدأ دولي قبل إلكسندر ساك، رغم أنه كان معمولاً به في القرن التاسع عشر. تم استخدامه حينها في أثناء النزاع بين إسبانيا وأمريكا في 1898. في ذلك التاريخ انتقلت كوبا، التي كانت مستعمرة إسبانية لتصبح تحت وصاية الولايات المتحدة، لكن إسبانيا طالبت الأخيرة بأن تسدد دين كوبا. للمفارقة الغريبة، أمريكا حينها عدت الدين الكوبي شائنًا، مستندة وقتها إلى معاهدة دولية هي معاهدة باريس. وفي أمريكا أيضًا، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، رفض الشماليون المنتصرون تحمل عبء دين الجنوبيين؛ لأنه كان بغاية الدفاع عن نظام العبودية. كما أعلنت معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى الديون التي أبرمها نظام القيصر الألماني بهدف استعمار بولونيا لاغية، وأنه لا يمكن لبولونيا الجديدة تحمل عبئها. كما اتخذ رئيس المحكمة العليا في أمريكا في 1923, حكما لمصلحة شعب كوستاريكا ضد التاج البريطاني معتبرا ديون الديكتاتور تينوكو حاكم البلاد ديونا شخصية، وعلى الدائنين البريطانيين، بحسب الحكم القضائي، أن يلوموا أنفسهم فقط لمعرفتهم المسبقة بالطبيعة الاستبدادية لتينوكو. في المقابل؛ استغرب الكثير من الخبراء والمعنيين عدم لجوء الكثير من الأنظمة الشرعية التي تلت دكتاتوريات أمريكا الجنوبية في الثمانينيات إلى إلغاء ديونها الشائنة وفق القانون الدولي، وأرجعوا الأمر إلى أن أمريكا التي ساندت الحكومات الجديدة لم تقدم اقتراحًا اقتصاديًا بهذا الشأن؛ لأن مقرضي تلك الدول مصارف أمريكية. لكن أمريكا فيما يخص ديون العراق تصرفت بشكل مغاير، معتبرة أن الديون التي أبرمها نظام الرئيس صدام حسين باطلة ولاغية، لكن الهدف الحقيقي كان بغرض التخفيف من ديون العراق القديمة بغية ضمان تسديده للديون الجديدة التي قدمها دائنون جدد. لكن الدروس القاسية التي تلقتها أمريكا الجنوبية من حكم الديكتاتوريات خلقت يقظة بضرورة تحمل مواطني تلك الدول مسؤولية التحقق من شرعية الديون التي من المتوقع أن تسددها بلادهم. ضمنت دساتير بلدان مثل البرازيل في 1988 وفنزويلا في 1999 حقا للبرلمانات في تدقيق الديون الداخلية والخارجية. إن فعل التدقيق يمكن كشف أي الديون شائنة، بحيث لا يلزم المواطنون أنفسهم بسدادها. بالعودة إلى مبدأ ساك حزل الدين الشائن، تمت في 2002 إضافة بعض التعديلات عليه. جاءت التعديلات من قبل مركز قانون التنمية المستدامة التابع لجامعة ماك غيل الكندية. الإضافات جاءت حول تعريف إضافي للديون الشائنة بأنها التي تبرم دون موافقة سكان البلد، وتكون ضد مصالحهم مع اشتراط معرفة الدائنين بذلك. ويشير خبراء المركز إلى أن هذا التعريف يشمل أيضا إلغاء الديون للشركات التي تكلفها الدولة بتنفيذ مشاريع لم تقرر على نحو ديمقراطي أو تتسبب في أضرار للمجتمع. هذا الأمر بطبيعة الحال سيجبر الدائنين على توضيح مسؤولياتهم والتزاماتهم باتجاه البلد المستدين وسكانه.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها