Author

رسالة إلى روّاد المساجد (1 من 4)

|
• يا روّاد بيوت الله في الأرض. • يا من أعد الله لكم نُزلاً في الجنة. • يا من توّلون وجوهكم شطر المسجد الحرام في صلواتكم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن الله سبحانه قد رفع منزلة المساجد في الأرض، وعظَّمها بأن نسبها إليه سبحانه، فليست لأحد سواه. قال عز من قائل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (سورة الجـن: 18). فكان علينا جميعاً أن نُعظِّمها وأن نحترمها وأن نقدسها، وأن نعرف لها حقها الذي وجدت من أجله، فلا نساويها بغيرها من البقاع، ولا نشبهها بسواها من الأماكن، فهي جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعنا المسلم الذي أّذِن الله أن ترفع فيه، وأن تكون بقاعاً طاهرة نقية تتنـزل فيها الرحمات، وتهبط الملائكة، وتحل السكينة والخشوع. ولأن للمسلم علاقةٌ حميمةٌ وصلةٌ وثيقةٌ بهذه المساجد في كل وقتٍ وحين، فقد رأيت أن أوجّه هذه الرسالة لروّاد المساجد وعُمَّارها من عباد الله المؤمنين الصادقين، فأقول مستعيناً بالله وحده: * إن المساجد بيوت الله في الأرض، ولا يحل لأحد من الخلق أن يعمل فيها إلا بما أذن الله من قول أو عمل، فلا يمكن أن تكون المساجد لغير عبادة الله والدعوة إلى سبيله، وإقامة شعائر الإيمان، وحفظ كتاب الله العظيم وتلاوته وتجويده، ومدارسة سنته - صلى الله عليه وسلم - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع ذكر الله سبحانه في كل حين كما قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} (سورة النور: 37). فيا من وصفكم الله بعُمار المساجد احرصوا بارك الله فيكم ـ على عمارتها الحقة، والعمل على إحياء رسالتها الخالدة، وإعادة دورها العظيم في حياة الأمة. * يا من وصفكم الله - عز وجل - بأنكم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة، تذكروا أن كثرة ارتيادكم لبيوت الله تعني إغاظة أعداء الله وإرهابهم وجعلهم يعيشون في قلق وهم دائمون، وعلى رأسهم إبليس ـ لعنه الله ـ وجنوده وأعوانه من شياطين الجن والإنس الذين يؤلمهم ويؤرقهم ويزعجهم أن يرتاد المسلمون بيوت الله، ولا سيما الشباب الذين هم عماد الأمة وأملها ورجال مستقبلها.  * يا من تُحافظون على الصلوات الخمس جماعةً في المسجد، اعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أن أداء الصلاة جماعة في المساجد من أفضل الأعمال التي حثت عليها سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ورغّبت فيها كثيراً؛ فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين "(رواه مسلم، الحديث رقم 1478، ص 262). واعلم أن أداء الصلاة في المساجد لا يُعطل مسيرة الحياة، ولا يعوق النشاط الدنيوي للمسلم، ولا يؤخره عن أعماله وارتباطاته، لأن الصلوات في حقيقة الأمر ليست سوى محطاتٍ إيمانيةٍ يتزود فيها المسلم بالطاقة الروحية اللازمة للسعي في الحياة، تلك الطاقة الإيمانية التي تصله بربه - جل وعلا - وتجدد نشاطه باستمرار، وتدفعه إلى الأمام، وتعينه على التحمل والمثابرة والمصابرة في مشوار حياته. كما أن لأداء الصلاة في المساجد معاني عظيمة وآثاراً طيبة في تربية أبناء المجتمع المسلم ونهيهم عن فاحش القول ومنكر العمل تصديقاً لقوله سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَـى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْـرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَـعُونَ} (سورة العنكبوت: من الآية 45). وليس هذا فحسب فإن للصلاة دوراً مهماً في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها، فهي كفيلةٌ ـ إن شاء الله ـ بصقل نفس المؤمن وإرهاف حسه وترقيق وجدانه، وربطه بخالقه العظيم - جل وعلا - لما فيها من صلة بالله سبحانه، ومناجاة له وخشوع وخضوع يجعل المصلي متمثلاً لعظمة الله وقدرته سبحانه. ولذلك روي عن أنس - رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وجُعلت قرة عيني في الصلاة".
إنشرها