رسالة إلى رواد المساجد (3 من 4)

يا من تخافون يوماَ تتقلب فيه الأبصار، احرصوا على تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة استعداداً للوقوف بين يدي الله عز وجل فإن وقوفكم خلف الإمام بشكلٍ مستوٍ ومنتظم وعلى هيئة صفوفٍ متراصةٍ يربي المسلم على حب النظام والترتيب، ويربي النفوس على إزالة الملامح الطبقية والسمات الإقليمية، كما أن في ذلك غرساً لمبدأ المساواة والعدل في النفس البشرية، وإشارة إلى بنيان الأُمة المسلمة المرصوص. لما روي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا" (رواه البخاري، الحديث رقم 719، ص 117). وجاء في حديث آخر عن أنس ابن مالك قال: قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " (رواه مسلم، الحديث رقم 975، ص 184).
يا رجالاً تُحبون أن تتطهروا، حافظوا على نظافة المساجد وجمال مظهرها بحرصكم على إزالة ما قد يلوثها أو يشوه جمالها أو يُخل بطهارتها. ولذلك وجب علينا جميعاً الاهتمام الدائم والمستمر بنظافة المساجد لأنها شعار الإسلام، ومراكز تجمع المسلمين والتقائهم خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي أطهر بقعةٍ وأقدس مكان يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ليكون فرداً صالحاً ـ بإذن الله تعالى ـ؛ فكان لا بُد من الاهتمام بنظافتها وترتيبها، وتعهدها بالطيب والبخور ونحوه لتكون لائقةً لاستقبال المصلين وأدائهم لعبادتهم بنفسٍ طيبةٍ وروحٍ مُنشرحة؛ فعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها – قالت: "أمر رسول الله بِبِنَاء المساجد في الدور، وأن تُنظَّفَ وتُطيَّب" (رواه أبو داود، الحديث رقم 455، ص 77). ويقول أحد دعاة الإسلام: " لقد حث عليه السلام على تطييبها [أي المساجد] بالروائح الطيبة، وجعل هذه المهمة لكل مسلم حتى لا ينفرد بهذا الشرف الكبير وحده، وحتى تتاح الفرصة للجميع فيُشاركون في تنظيف المساجد وتطييبها وتجهيزها للمصلين".
يا رواد بيوت الله احرصوا على تطييبها وتنـزيهها من الروائح الكريهة والقمامات والقاذورات حتى فيما حولها من مساحات لئلا يتأذى بها الملائكة الكرام الذين يشهدون المساجد مع المصلين، ولئلا تكون تلك الروائح مدعاة لإيذاء بقية المصلين الذين يتأذون من رائحة الثوم والبصل والكُرَّاث، وغيرها من الأطعمة والمأكولات ذات الروائح النافذة والمؤذية، إضافة إلى رائحة الدخان والشيشة ونحوهما من الروائح الخبيثة المنتنة، لا سيما وقت أداء الصلاة في بيتٍ من بيوت الله تعالى. فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في غزوة خيبـر: "من أكل من هذه الشجرة – يعني الثوم – فلا يقربنَّ مسجدنا " (رواه البخاري، الحديث رقم 853، ص 138). وعن جابرٍ قال: نهى رسول الله عن أكل البصل والكُرَّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: "من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأِنس" (رواه مسلم، الحديث رقم 1252، ص 227). من هنا فإن على كل مسلمٍ أن يهتم بنظافة المساجد وتطييبها وإزالة الأذى منها حتى تشتاق إليها الأرواح، وترتاح إليها الأنفس.
يا من تنتظرون الصلاة بعد الصلاة هنيئاً لكم بذلك؛ فقد حث الإسلام على إطالة الجلوس في بيوت الله تعالى، والمكوث فيها إن لم يكن للمسلم حاجة تدعو إلى قضائها خارج المسجد؛ لما في ذلك من الخير الكثير والفضل العظيم، ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مُصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثَ" (رواه مسلم، الحديث رقم 1509، ص 268). كما جاء في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباطُ" (رواه مسلم، الحديث رقم 587، ص 123) فهنيئاً لعُمار المساجد الذين يُطيلون البقاء فيها لذكر الله تعالى، وأداء الفرائض والنوافل، وتلاوة القرآن الكريم، ومُدارسة العلوم الشرعية والتفقه في أمور الدين والدنيا، وحضور حلقات الدرس ومجالس العلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي