Author

رسالة إلى روّاد المساجد (2 من 4)

|
إن للصلاة دوراً مهماً في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها, فهي كفيلةٌ ـ إن شاء الله ـ بصقل نفس المؤمن وإرهاف حسه وترقيق وجدانه, وربطه بخالقه العظيم جل وعلا, لما فيها من صلة بالله سبحانه, ومناجاة له وخشوع وخضوع يجعل المصلي متمثلاً لعظمة الله وقدرته سبحانه. ولذلك روي عن أنس رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال: " وجُعل قرة عيني في الصلاة " (رواه النسائي برقم 3939, مج 7, ص 61). وهذا فيه تأكيدٌ على أن في الصلاة راحة نفسية للمسلم متى أداها بخشوعٍ وخضوع, وأنها تؤدي إلى السكينة و الطمأنينة وهدوء البال, وهو ما يشعر به المؤمن بعد أدائه الصلاة أداءً صحيحاً يربطه بخالقه العظيم ارتباط إيمانٍ واستسلامٍ وتعبد. * يا رواد المساجد في المجتمع المسلم, اعلموا أن المساجد ليست أماكن لأداء الصلاة فقط, ولكنها مراكز للتعليم والتوجيه, ومؤسسات للتربية والتنشئة, ومعاهد للفقه الشرعي, والبحث العلمي عن طريق ما يعقد فيها من دروس ومحاضرات وندوات, وما يلقى على منابرها من خطب ومواعظ ونصائح في مختلف جوانب الحياة الفردية والجماعية. واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أنه ما لم تكن تلك وظيفة المساجد ورسالتها الخالدة ومهمتها العظمى فإنها ستظل معطلة, ولن تؤتي ثمارها الطيبة المباركة التي وجدت من أجلها. يقول أحد دعاة الإسلام: " من أراد أن ينظر وأن يتعرف على حقيقة مدينة من المدن, أو قرية من القرى, فلينظر إلى مساجدها, ولير ما مقدار اهتمام الناس بهذه المساجد ؟ وما علاقتهم بها ؟ حينها يحكم على هذا الجيل أو هذه الطائفة من الناس ومدى رقيهم الحضاري الإسلامي ". من هنا كانت المساجد في تاريخنا الإسلامي المجيد قلاعاً للإيمان, وحصوناً للفضيلة, وبيوتاً للأتقياء, وينابيع للصلاح, وموارد للخير, ومجامع الأمة, ومواضع الأئمة. * يا عباد الله الصادقين, حافظوا على تحية المسجد التي تميزه عن غيره من الأماكن و البقاع. فهي تختلف عن غيرها من أنواع التحايا المتبادلة عند الدخول إلى المنازل أو المكاتب أو نحوها من المرافق والأماكن بأنها تحية مميزة لمكان مميز وبقعة طاهرة، فكان لابد لها من أداء خاص يليق بمنزلتها عند المسلم, ولذلك فقد روي عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتَّى يُصلي ركعتين " (رواه البخاري, الحديث رقم 1163, ص 186) . وليس هذا فحسب, بل لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أدائها, وأمر بذلك حتى في أثناء أداء خطبة الجمعة حيث روي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخْطُب, فجلس, فقال له: " يا سُليك ! قم فاركع ركعتين, وتجوَّز فيهما ", ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين, وليتجوز فيهما" (رواه مسلم, الحديث رقم 2024, ص 350). فكم هو عظيم وجليل وجميل أن يفتتح المسلم دخوله إلى بيت من بيوت الله في الأرض بركعتين يُعلِنُ بهما السمع والطاعة, والخشوع والخضوع لله جل وعلا !! إضافةً إلى أن في هاتين الركعتين قطعا للحديث بين المصلين, وانتظاراً للصلاة في خشوعٍ ووقارٍ وسكينة. * يا عمار بيوت الله في الأرض, إن لهذه البيوت منزلة رفيعة, ومكانةً عاليةً في النفوس, ولذلك فهي تختلف عن غيرها من الأماكن التي يرتادها الناس في حياتهم اليومية بمالها من آداب فاضلة وسلوكيات مثالية كالاستعداد لدخولها بالطهارة, ومراعاة آداب الدخول إليها والخروج منها والخشوع والسكينة أثناء المكوث فيها, وعدم رفع الصوت فيها أو الانشغال بأمور الدنيا بين جنباتها, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجد, فقولوا: لا أربح الله تجارتك, وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالةً, فقولوا: لا رد الله عليك " (رواه الترمذي, الحديث رقم 1321, ص 312) . وهذا يعني صرف الوقت داخل المسجد لشؤون الدنيا أو لتعطيلها عن ذكر الله سبحانه. كما أن من آدابها العظيمة المشي إليها بتؤدة وخشوع وطمأنينة دونما جري أو تعجيل, والتبكير في الحضور إليها, وعدم تخطي الرقاب أو اختراق الصفوف لا سيماَ في صلاة الجمعة لما ورد في ذلك من النهي على لسان معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم .
إنشرها