ما يجب القيام به عربياً وفلسطينياً قبل المؤتمر الدولي

[email protected]

بعد أن غابت الولايات المتحدة الأمريكية سنوات طوال عن القيام بأي فعل إيجابي تجاه القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، إذا بها تعود مرة واحدة لكي تطرح ما أطلق عليه الرئيس بوش المؤتمر الدولي المقرر عقده الشهر القادم على هامش افتتاح الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لتحريك المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وبغض النظر مؤقتاً عن الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى الصيغة المقترحة لعقد هذا المؤتمر وجدول الأعمال الذي تتصور الإدارة الأمريكية أنه سوف يقوم عليه والدوافع التي حدت بالرئيس الأمريكي إلى اقتراحه، فإن المطلوب اليوم عربياً وقد اقترب موعد عقد هذا المؤتمر هو التحرك السريع من أجل الإعداد له حتى يخرج إن لم يكن بأفضل النتائج عربياً وفلسطينياً فعلى الأقل ألا يؤدي إلى مزيد من الخسائر على هذين الصعيدين.
وأول أبجديات الإعداد لمؤتمر دولي للتفاوض حول مثل هذه القضية المعقدة المتشابكة الموضوعات والأطراف هو أن تكون الجبهة الداخلية للطرف العربي فيه موحدة ومتماسكة وقادرة على توفير أسس التفاوض في مقابل الطرف الإسرائيلي الذي سيسعى لممارسة الضغوط المتاحة له كافة عليها من أجل الحصول على أفضل النتائج له. والحديث عن تماسك والتفاف الجبهة الداخلية العربية قبل انعقاد المؤتمر ينصرف في الوضع الحالي إلى مستويين رئيسيين لكل منهما مستلزماته وضروراته التي يجب القيام بها سريعاً حتى لا يتحول المؤتمر المزمع انعقاده إلى مناسبة جديدة للخسارة العربية والفلسطينية. يتمثل المستوى الأول في الجبهة الفلسطينية الداخلية، التي تبدو بعد أحداث وصدامات غزة وما تلاها بين حركتي فتح وحماس شديدة التمزق والانشقاق بما يؤدي من دون أدنى شك إلى إضعاف أي مفاوض فلسطيني في هذا المؤتمر أو أي خطوات تفاوضية تترتب عليه في مقابل الطرف الإسرائيلي الذي سيظل الأقوى مهما بلغ ضعف حكومة أولمرت التي تمثله اليوم. والحديث عن التأثيرات السلبية للصراع الفلسطيني الداخلي في موقف المفاوض الفلسطيني ليس فقط حديثاً نظرياً يستند إلى كل أدبيات التفاوض المعروفة في العلوم السياسية أو الخبرات الدولية السابقة في هذا المجال، بل وقبل ذلك على خبرات التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي السابقة. فمن المعروف في المفاوضات السابقة كافة وعلى الرغم من التوحد النسبي في الموقف الفلسطيني الداخلي وعدم وصول الخلافات والاختلافات بداخله مطلقاً إلى الحد الذي وصلت إليه بالصراع بين فتح وحماس، أن عقبات هائلة واجهت المفاوض الفلسطيني لكي يستطيع الحصول على الحد الأدنى من الحقوق والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، بالرغم من أن المفاوضات في ذلك الوقت كانت تدور حول قضايا المراحل الأولى والمتوسطة في حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وليس قضايا الحل النهائي ذات الأهمية والحساسية الأكبر والأخطر.
من هنا فإن دخول الطرف الفلسطيني إلى المؤتمر الدولي المزمع عقده ولمناقشة قضايا الحل النهائي ذات الخطورة والحساسية وهو بهذه الوضعية المنشقة والمتصارعة سوف يؤدي من دون أدنى شك إلى إضعافه بصورة خطيرة في مواجهة الطرف الإسرائيلي الموحد والمتمسك بموقف متشدد ذي حد أدنى فيما يخص هذه القضايا التي يعتبرها جوهر المشروع الصهيوني ويرفض تقديم أي تنازلات جوهرية فيها للطرف الفلسطيني وبخاصة قضايا عودة اللاجئين والانسحاب الكامل من أراضي 1967 وحدود وسيادة الدولة الفلسطينية المقترحة. وبذلك يبدو أولياً أن يكون سعي الفصائل والأطراف الفلسطينية المختلفة والمتصارعة حالياً وفي مقدمتها حركتا حماس وفتح إلى تحقيق حد أدنى من التوافق بينهما قبل انعقاد المؤتمر هو المهمة الوحيدة التي يجب الانتهاء منها فوراً وأولاً. وإذا كان التوصل لحل سريع لتوزيع وتقاسم السلطة الفلسطينية الداخلية سيكون صعباً في هذه الفترة القصيرة، فالممكن والضروري الوحيد اليوم هو صياغة توافق فلسطيني حول القضايا التي سيناقشها المؤتمر الدولي، وهو ما يمكن أن يقوم على الاتفاق الذي تم توقيعه بالفعل بين مختلف الفصائل الفلسطينية على أساس وثيقة الأسرى والذي يحدد بدقة ووضوح التوافقات الفلسطينية حول القضايا التي سيناقشها المؤتمر.
أما المستوى الآخر للتماسك المطلوب قبل انعقاد المؤتمر فهو المستوي العربي، الذي عليه قبل حضور المؤتمر أن تتواصل أطرافه ودوله في اجتماع مشترك تضع فيه الحد الأدنى للحقوق والمطالب التي يمكن للطرف العربي قبولها في هذا المؤتمر، بحيث يخرج بوثيقة تنفيذية مفصلة وواضحة لمبادرة السلام العربية تحتفظ بكل ما أتى بها من نقاط جوهرية وتزيل أي غموض أو تردد يمكن أن يستغله الطرف الإسرائيلي فيها. ولا شك أن عقد مثل هذا الاجتماع العربي الضروري يستلزم القيام بجهد عربي سابق عليه لتحقيق الحد الأدنى للتوافق الفلسطيني السابق الإشارة إليه، لأن غيابه سيعني بصورة مباشرة فشل أي توافق عربي حول الوثيقة المشار إليها. ومن الوارد لتحقيق التماسك العربي والفلسطيني الداخلي على المستويين معاً أن تقوم الدولتان العربيتان الرئيسيتان، مصر والسعودية، بالدعوة إلى عقد اجتماع مشترك للأطراف العربية المدعوة للمؤتمر كافة للتوافق حول الموقف الموحد الذي سيتم تبنيه عربياً وفلسطينياً فيه، على أن تتم دعوة الأطراف الرئيسية في الساحة الفلسطينية إليه وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس، على أن يكون جدول الأعمال متضمناً فقط القضايا المطروحة على المؤتمر الدولي وليس أية قضايا فلسطينية داخلية يمكن التفاوض حولها بعد ذلك وفي أطر سياسية أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي