الحب بين أسلاك شائكة

الحب الإحساس الوحيد الذي يملك تعويذة سحرية قادرة على التسلل إلى أعماق قلبك دون استئذان، الإحساس الذي يدق الطبول معلنا بدء حفلة صاخبة لا يسمعها سواك، يمنحك مميزات وقوة متعددة الصفات مثل الخفة والشعور من على بعد، يمنحك مزاج القهوة دون أن تحتسيها، فتتحول إلى إنسان خارق لا يتعب ولا ينام، لا يفقدك الإحساس بساعتك البيولوجية فقط بل يفقدك الإحساس بالألم والزمان والمكان، قد يخضعك لحمية تنقص وزنك دون أن تشعر بها لأول مرة في حياتك، وفي حالات يعيد إليك التوازن النفسي والفكري وتشعر أنك إنسان آخر أكثر جمالا، وفي أوقات يترك ابتسامته البلهاء على وجهك لتلازمك طوال النهار.
جاءت قصص الحب في التاريخ على مر العصور محملة بصور جمالية غنية بالأخلاق والمثل العليا والصفات السامية، لتؤكد إنسانية الإنسان الذي خفق قلبه واستسلم لحب ولد تحت الحصار، واستمر على الرغم من الحروب، ونمى في عزلته بمفرده، وأصر بقوة ونضال على أن يبقى في زمن الكوليرا. وكل قصة حب وصلتنا جاءت مع صندوق مخملي معبق خاص بها، مليء بالموسيقى والقصائد والرسائل والعطور الباذخة، صندوق يحكي ملاحم أبطال تلك القصص التي توج الزواج بعضها، وكان الفراق والحرمان نصيب البعض الآخر وقوبل بالرفض، والانتحار والجنون. وظل التاريخ يسرده علينا في سالف العصر والأوان. ولكن في مجتمعنا يواجه الحب عملية تشويه ويخضع لظروف قاسية تتآمر ضده، كمن عليه عبور منطقة أسلاك شائكة ليستمتع بليلة مقمرة!
على النقيض من ذلك تماما نرى أن فتاة في جدة تقدم على ابتزاز شاب كانت مرتبطة معه بعلاقة حب منذ سنتين، بتهديده بإرسال رسائله وصوره إلى خطيبته، كمحاولة للانتقام منه بعد أن كسر قلبها وتخلى عنها ليرتب للزواج من أخرى، ما دفع الشاب إلى التقدم بشكوى إلى وحدة مكافحة الابتزاز في الهيئة التي وقفت على شكواه وتبين لها صحة دعواه، فألقت القبض على الفتاة، وأحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، لأنها نغصت حياة العريس الذي قرر أن يبدأ حياته الزوجية من الصفر، بعد أن خدعها سنتين باسم الحب والزواج.
الزواج في مجتمعنا الشرقي من أصعب المهمات المتناقضة التي إن حاولت أن تفككها وتفهمها فستشعر بالغرابة، وتريك كيف يخرج المنطق منها هاربا، وإن لم تكن جسورا محاربا فلا يفضل أن تفهم، بل عليك ترك الأمر برمته على عاتق الأسرة، لأن الزواج في هذه الحالة لن يحتاج إلى منطق أو فلسفة بل "أنت وحظك".
فمثلا في بعض الحالات إذا تقدم شاب لخطبة فتاة دون أن تربطه بهم صلة قرابة، ولم يأتِ عن طريق أصدقاء، تدور حوله الشكوك ويقع تحت المساءلة، وتحوم الشبهات نحو الفتاة، فما إن يشعر أهل الفتاة بأن الحب له يد في هذا الموضوع بدلا من أن يتوج بالزواج تتم معاقبتهما بالرفض والحرمان، وفي الأسبوع الذي يليه يعقد قرانها على ابن عمها. أما إذا عرفت أسرة الشاب أنه يريد الزواج من فتاة يحبها، يتم إعلان حالة طوارئ ثم تسمع ضمنيا أن الفتاة أو أهلها فيهم عيوب يجهلها، وربما تنهال عليه موجة من الإقناع إلى أن يعدل عن رأيه، وفي الأسبوع التالي يجد نفسه مسوقا مع أسرته ليرى خطيبته الجديدة! وإذا تمعنا في حوادث الابتزاز التي أصبحت تتكرر أخيرا بين الجنسين، نجد أن كثيرا من الفتيات كانت تطمح في الزواج بينما يقابلها في الطرف الآخر شخص كان يتخذها في حالات كثيرة كمحطة للتسلية، يجرب فيها عواطفه، قبل أن يدخل قفص الزوجية الذي تم الاتفاق عليه مسبقا وقضي الأمر، فإذا سمع بعض الأهالي بجنوح ولدهم يبررون بأنه لم يتزوج بعد ويتركونه "يطحن ما تبقى من النذالة برأسه" فيواجه مَن أوهمها عاطفيا بأن أسرته لم توافق على زواجهما، ويبدأ حياته الزوجية من الصفر مرتبطا بأخرى كرجل عاقل، في سيناريو يتكرر. عملية "اللهو الأخير" قبل الزواج المحدد، حالة ليست مقتصرة على فئة معينة من الرجال فقط بل أصبحت تشمل فئة من الفتيات، ولا أتفق مع المقولة الدارجة إن "الرجل لا يعيبه شيء"، في هذا الزمن أصبح يعيبه كل شيء، سمعته وسلوكه ومستوى ثقافته، فلن تتزوج الفتاة العاقلة من شخص تافه ينقصه العقل والاتزان لمجرد أنه جامعي أو حتى من حملة الشهادات العليا، فكم قابلنا من تافهين وجهلة لم يكتفوا بنشر تفاهاتهم داخل محيطهم بل بتوثيقها في صور ومقاطع تحمل كمية من السطحية والبلاهة، ومع ذلك يتسابقون على جعل أنفسهم أضحوكة "ترند" على وسائل التواصل، وبعض الشباب للأسف لن يدرك أنه ترك وراءه إرثا يندى له الجبين إلا حين يقرر تأسيس حياة زوجية، وليته كان قد تركه في مكان واحد أو اثنين بل أكثر من ثلاثة. لذلك نجد كثيرا ممتنين للتقنية التي على الرغم من إساءة استخدامها، إلا أنها ما زالت قادرة على كشف جانب مهم، يظهر مستوى تربية الإنسان. ويبقى السؤال: من الذي شوه الحب ودفعه إلى عبور هذه الطريق الشائكة، التقاليد أم الظروف.. أم البشر؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي