بأي حال عدت يا صيف؟!

[email protected]

أطل يونيو فتلمسنا رؤوسنا، وتحسسنا جباهنا، لأن صيفاً لاهباً قد بدأت علاماته، من جراء حبات عرق بدأت تهل، وسخونة أصبحت تظهر، لا نستحملهما ونتأفف، ونحلم بالوقت الذي نغير من هذا الواقع حتى لو كان الثمن الهجرة إلى الشمال أو الشرق . نتهيأ لهذا الصيف بكثير من التوتر بكيفية مجابهته، وبكثير من القلق لأجل محاولة الهروب منه .. نتغنى بالبرودة الصناعية، ونتكيف بالعبير الاصطناعي .. نتفيأ الظلال وننسحب إليها مهما كان الثمن.
تصطك المطارات بأفواج الهاربين، وتتزاحم المنتجعات في أوروبا وآسيا وبعض بلادنا العربية بأبناء جلدتنا الذين رأوا في الحر خراباً للكيف لابد من وأده بالسفر. معاناتنا مع الحر في شهري يوليو وأغسطس معاناة من تعود على الرفاهية، رغم أن تاريخنا هنا في هذه البلاد يذكر معايشتنا الناجحة له، وتعاملنا الناجع معه، بل نزيد بكيفية استمتاعنا بالظل الظليل خلف حائط أو تحت سقيفة .. لكن الزمن تغير حتى بات كثير منّا لا يقبل لفحة حارة، ويزيد بالتشكيك في كل درجة حرارة معلنة، يمتعض ويشكو، ينتقد كل من له علاقة بالأحوال الجوية، بل لا يجد أي مصداقية بدرجة الحرارة المعلقة في سيارته أو في المنزل.
صيفنا لاهب، وهو ما نعرفه عنه منذ أمد بعيد كما سطر المؤرخون، هو لم يتغير، بل إن من تغير هم معايشوه، حتى أنهم يصفون نصف شهور السنة بالحارة، لأنهم كيّفوا أنفسهم مع البرودة المصطنعة، لذا فالأجواء المعتدلة لا ترضيهم، فكيف إذا باللاهبين الحارين تموز و آب.
رحلات الشتاء والصيف تؤكد بحث الإنسان عن المناخ الذي يرضيه، لكن رحلات الصيف لدينا باتت أمراً مبالغاً فيه حتى إنها أصبحت من باب الوجاهة، ولا بأس إن استدان البعض، أو رهن، لأن "هم الحر"، أعظم من "هم الدين"، وحسبنا الله على المفاهيم المقلوبة التي أفرزها التمدن الخاطئ.
هواجس الصيف باتت مقلقة، ليس إلا لأننا ضعفنا وأصبحنا لا نحتمل، بل لأننا أقنعنا أنفسنا بأن للصيف ألما لا نقوى على مكابدته، وعليه فلا بأس إن خلت كثير من مدننا من سكانها، وأصبحت أقرب إلى أن تكون مدينة أشباح.
الحقيقة أن التوجع من الصيف يذهب إلى اتجاهين الأهم فيه أن بعضاً من ربعنا يرى فيه هروباً منطقيا ليس لأن الجو لدينا يسلخ الجلد، بل لأن له ارتباطاً بالتغيير والسفر، لذا فحب الصيف له معنى آخر لديه قد يكون حتى على حساب العائلة التي لابد أن تعطي معيلها فرصة للراحة بعد عناء عام كامل من الكد والمعاناة في البحث عن لقمة العيش، وبعض آخر يأخذ الجمل بما حمل ويرتحل ليعيش الأجواء الحقيقية دفئاً عائلياً وبرودةً ناخية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي