مدينة حائل الاقتصادية .. ونموذج الهيئة الملكية للجبيل وينبع

[email protected]

شركة ركيزة القابضة شركة ناشئة ارتبط اسمها بمدينة حائل الاقتصادية، وهي المهندس الحقيقي لمدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية، وهي المحرك الرئيسي الفعال لمدينة حائل العزيزة على قلوبنا، وهي على اسمها من حيث ارتكاز المدينة الاقتصادية عليها.
في ندوة في مجلس الغرف التجارية الصناعية حول المدن الاقتصادية، قدمت خلاله شركة ركيزة تعريفاً بالشركة وواقع منطقة حائل الحالي ومشاريعها المستقبلية، وقد كانت الشركة تقدم أطروحاتها بشفافية عالية تشكر عليها إدارتها بقيادة مهندسها ابن حائل البار عبد الله الرخيص.
في اللقاء المذكور في مجلس الغرف أسهبت الشركة في تعداد المزايا النسبية التي تتمتع بها المنطقة ككل، وقد نجحت الشركة في استقطاب مجموعة من الأكفاء السعوديين لإدارة الشركة كما نجحت الشركة في توقيع مجموعة من الاتفاقيات مع عدد من أبرز بيوت الخبرة الاستشارية، وقد قامت الشركة بمجهود مضاعف مع جامعة إم آي تي MIT لتأسيس المركز الوطني لروح المبادرة وهو بلا شك إضافة قيمة للمملكة ككل وليس لمدينة حائل فقط.
الذي افتقدناه في ذلك اللقاء مع أهميته البالغة هو الجدوى الاقتصادية لإقامة المدينة الاقتصادية، شأنها شأن جميع المدن الاقتصادية في المملكة، حيث لم تنته الشركة منها حتى تاريخه، كما أن الهيئة العامة للاستثمار "الأب الروحي للمدن الاقتصادية" لم تعلن عن أي دراسات تثبت الجدوى الاقتصادية لأي من المدن الاقتصادية قبل إطلاقها، والمثير في الموضوع أن شركة إعمار المدينة الاقتصادية وحتى قبل الاكتتاب فيها لم يطلع المكتتبون على دراسة الجدوى الاقتصادية الخاصة بها (إن وجدت).
عادة .. عندما يتم إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لأي صناعة فإن نجاح المشروع يعتمد على حجم الفجوة السوقية ما بين العرض والطلب، كما تتم المقارنة بدراسة المشاريع المشابهة في الظروف نفسها أو أخذ هذه الاختلافات في الاعتبار، ولكن في مدينة حائل الاقتصادية الوضع مختلف تماماً، فالشركة تقوم أصلاً على افتراض تغيير الواقع في هذه المناطق، وهذا التغيير ليس محصوراً في البنية الأساسية فقط إذ إن هذه هي أسهل العقبات مع صعوبتها البالغة، ولكن نجاح الشركة يعتمد اعتمادا أساسياً على تغيير جذري في البيئة والسياسات والإجراءات الحكومية، بل حتى أنها تعتمد على تجاوز العقبات الأمنية وحل مشكلة التأشيرات والجمارك، يضاف إلى ذلك أنها تعتمد اعتمادا أساسياً على السماح بفتح الأجواء والتركيز على أن منطقة حائل منطقة مفتوحة لخدمات الترانزيت!! وإن تم ذلك فعلا (وهذا ما نتمناه) فإنه بشرى لكل مواطن ومقيم ومتعامل مع السعودية، ولكن السؤال الكبير جداً بحجم منطقة حائل: هل هذه الفرضيات التي يعتمد عليها نجاح الشركة ستتم فعلا وسيتم تذليل جميع العقبات؟ حقيقة أتمنى ذلك، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه!! إذا اتفقنا على عدم ضمان تحقق هذه الفرضيات، بل صعوبة تحقيقها على أرض الواقع فهناك اتفاق على وجود مخاطر تهدد نجاح الشركة، وكلما زاد الشك في تحقق هذه الفرضيات زادت هذه المخاطر، وهذه طبيعة التجارة فليس هناك ربح مضمون، وكما أن الأرباح تزيد بزيادة المخاطر فإن الخسائر قد تزيد بتزايد حجم هذه المخاطر أو أكثر فالغنم بالغرم.
والمؤسسون في الشركة ومن في حكمهم معهم كل الحق في حماسهم لتأسيس الشركة وعمل كل ما يمكنهم عمله لنجاحها، ولكن من الظلم، والظلم شديد هنا، أن نطرح مثل هذه الشركة للجمهور في اكتتاب عام، فالمخاطر العالية للشركة ووجود درجة عالية من عدم التأكد لتحقيق أسس قيام الشركة، يجعل طرح الشركة للاكتتاب العام تغريراً بالمساهمين الذين لا يقرؤون مستندات الاكتتاب والتي تشتمل على تحديد وإفصاح كامل عن المخاطر (هذا بفرض أن الشركة نوهت عن هذه المخاطر)، فالمساهمون سيسمعون عن شركة مرتبطة بمدينة اقتصادية في مدينة حائل تأسست تحت سمع ونظر وزارة التجارة وهيئة سوق المال وبرعاية ودعم هائلين من الهيئة العامة للاستثمار، فلماذا لا يساهمون بل يتزاحمون على المساهمة في أسهمها، ليس إيماناً بالشركة أو بمستقبلها، ولكن ثقة المساهمين وإيمانهم بأن موافقة الجهات الرسمية على الطرح يعني أنها في صالح المساهمين، وثانياً ليقين المساهمين أن قيمة سهمهم ستتضاعف أضعافاً كثيرة بمجرد الإدراج في السوق، ليس لأنه سوى هذا المبلغ ولكن لأن واقع السوق يفرض قواعد اللعبة.
شركة مثل شركة حائل أو المدن الاقتصادية الأخرى لن تظهر نتائجها خلال أسابيع أو أشهر ولا حتى خلال سنواتها الأولى، وبالتالي قد يقوم المؤسسون في هذه الشركات ببيع أسهمهم بعد مضاعفة قيمتها في أي وقت، ولكن ما هو مصير المساهمين المساكين الذين تعلقوا بالشركة؟ بل ما تأثير مثل هذه الشركات على سوق الأسهم عند فشلها؟ من المتضرر وما هو حجم الضرر على الاقتصاد السعودي خاصة إذا علمنا أن رؤوس أموال هذه الشركات أكبر من بعض البنوك ؟
لقد أعلنت الشركة أن ملف الاكتتاب رفع إلى هيئة سوق المال لطرح 30 في المائة من رأس مال الشركة البالغ 7.5 مليار ريال للاكتتاب العام، وإني أناشد الهيئة ووزارة التجارة وقبلها المقام السامي الكريم بالتروي في طرح أسهم شركات المدن الاقتصادية للاكتتاب العام، وإعطائها مهلة لا تقل عن خمسة أعوام بعد التأسيس لإثبات جدواها الاقتصادية حقيقة على أرض الواقع، ودراسة واقعها آنذاك وطرح جزء من رأس مالها للاكتتاب العام إذا ثبت نجاحها، حتى لو طرحت آنذاك بسعر أعلى وبعلاوة إصدار مناسبة بناء على القيمة السوقية العادلة للسهم.
وقد اقترحت من قبل أن تتم الاستفادة من تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي قامت بمشاريع مماثلة من قبل، وعلى مستوى عال من المهنية والموضوعية ونتائج هذه التجربة ظاهرة للعيان، لماذا لا نستفيد من التجربة، ونحول الهيئة الملكية للجبيل وينبع إلى مطور رئيسي وحاضنة حقيقية للمدن الاقتصادية الجديدة، وبناء على ذلك فنحن نعطي الخبز خبازه، وبالتالي تقوم الهيئة بتطوير أفكار هذه المشاريع، وتطوير الفكرة يشمل الدراسات الاقتصادية والفنية والمالية... إلخ، وعند جاهزية المشروع يطرح للمواطنين للمساهمة فيه، بدلاً من الركض وراء مشاريع تبدو حقيقية .. وقد تكون مثل السراب، كما يمكن أن تتم خصخصة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، لتكون شركة مساهمة عامة يتملك المواطنون 30 في المائة منها، وتبقى 70 في المائة منها ملك للدولة على غرار "سابك"، بحيث تدخل الهيئة شريكا رئيسياً في كل مدينة اقتصادية تثبت الدراسات جدواه وتظهر التجربة السابقة للهيئة إمكانية تطبيقه، ومن ثم يطرح جزء من المشروع للاكتتاب، وبالتالي فإن المنح الحكومية والمكارم الملكية التي تمنح للمشاريع إنما تمنح للدولة ومواطنيها بالعدل وليس إلى مجموعة محددة من المستثمرين.

ختاماً .. ليس كل ما يلمع ذهباً .. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي