الموظف في اجتماع
كم عدد المرات التي فكرت فيها بالذهاب لمراجعة دائرة حكومية أو خاصة وخشيت أن تذهب ولا تجد الموظف ؟ وكم عدد المرات التي ذهبت فيها فعلاً وصدق ظنك ؟ فالموظف غير موجود أو ذهب إلى مشوار وسيعود أو غيرها من الأعذار، ومع كثرة هذه المرات واختلافها وتنوعها في كثير من الدوائر ظهرت فكرة مكاتب التعقيب التي انتشرت بشكل كبير، والعنصر الأساسي من العناصر التي يجب توافرها في المعقب أن يكون صبوراً فيستمتع بالانتظار ويملك علاقات عامة واسعة في الدوائر الحكومية تمكنه من معرفة الوقت الذي يوجد فيه الموظف، بل الوقت الذي يكون فيه مزاجه جيداً لتقدم له المعاملة، ويتم الحصول على موافقته عليها.
وفي دراسة علمية صادرة عن معهد الإدارة العامة شملت (181 جهازاً حكومياً) موزعة على مناطق المملكة، أفادت أن 50 في المائة من موظفي الأجهزة الحكومية يتأخرون عن أعمالهم وأن 54 في المائة من الموظفين يخرجون خلال الدوام، كما أكدت الدراسة أن 69 في المائة من الموظفين يغيبون دون عذر.
وقد بينت الدراسة أن ضعف أو انعدام متابعة وجولات رؤساء الأجهزة الحكومية كان السبب الرئيسي، حيث وجد أن 47 في المائة من هؤلاء الموظفين لا يجدون متابعة من رؤسائهم كما أشارت إلى أن 59 في المائة من الموظفين المتأخرين يرون أن العقوبات والإجراءات المتمثلة في التنبيه الشفوي أو الخصم من الراتب غير مجدية، أما الذين يخرجون ويعودون أثناء الدوام فنسبتهم 68 في المائة منهم 55 في المائة دون إذن كتابي، وأما الذين يغادرون قبل نهاية الدوام فنسبتهم 54 في المائة منهم 59 في المائة يخرجون قبل نهاية الدوام بساعة واحدة، وبالنسبة للغياب فقد كانت النسبة 69 في المائة وذلك بمعدل يوم واحد شهرياً.
تأتي النسب الموجودة في السابق تأكيداً على الواقع المعاصر الذي نعيشه أثناء مراجعة الدوائر الحكومية. وقد وضعت الدراسة بعض التوصيات لمعالجة هذه الظواهر مثل تأسيس قاعدة بيانات مركزية لمتابعة الدوام الحكومي والتأكد من انتظامه والتعرف على مقاييسه بشكل دوري ودقيق إضافة إلى تطبيق مبدأ التعويض عن الوقت الذي يفقده الموظف نتيجة عدم انتظامه أو إيجاد دوام مسائي لإعطاء الموظف فرصة لقضاء مصالحه الشخصية خلال الفترة الصباحية وأهمية قيام المسؤولين بجولات تفقدية ومبدأ التدوير الوظيفي لإكساب الخبرات والقضاء على الملل والروتين.
وفي رأيي أن هذه القضية تعد محوراً وهاجساً لدى معظم الشركات والمنشآت، فأكثر ما يشتكي منه المديرون هو عدم الانضباط والتقيد بالمواعيد بالنسبة للموظفين وقد عمدت العديد من الدوائر الحكومية والخاصة على وضع الأنظمة والقوانين والإجراءات والعقوبات للحد من هذه الظاهرة دون فائدة، وتبقى القناعة الشخصية لدى الموظف هي العنصر الرئيسي لمعالجة مثل هذا الأمر، فإذا لم يكن لدى الموظف القناعة الكاملة أن الحضور المبكر والالتزام بالدوام وعدم التغيب أو الخروج دون عذر هو أمر واجب عليه القيام به، فلن ينتظم مهما وضعت له من أنظمة وقوانين فسيكون همه وتفكيره مركزاً في كيفية اختراقها وتجاوزها سواء من خلال التقارير الطبية أو الأعذار الوهمية أو الحوادث المرورية أو الاجتماعات الأخرى التي لا علاقة لها بالعمل أو غيرها من الأسباب التي اعتاد مثل هؤلاء الموظفين اللجوء إليها.
إن رئيس المنشأة أو مديرها هو القدوة حيث ينظر إليه الناس على أن أفعاله مثل قراراته وتعاميمه هي ما يجب اتباعه، فإذا كان مدير المنشأة يأتي مبكراً ويحرص على مواعيده ويلتزم بدوام العمل فسيكون فعله هذا أكبر حافز لبقية الموظفين على الانتظام و إلا ما فائدة قرارات وتعاميم تصدر منه بالالتزام بالدوام أو الخصم على موظف متأخر وهو غير ملتزم بها أو أن هذه القرارات تطبق على فئة دون أخرى.
لقد عمد كثير من الموظفين المنتظمين إلى سلوك ونهج خاطئ نتيجة الإحباط الذي أصابهم من عدم معاقبة الموظفين المتقاعسين فهم يرون عدم تقدير عملهم وإنجازهم وحرصهم على الحضور مبكراً والتضحية بتأخير مصالحهم الشخصية في سبيل الحفاظ على الدوام لم يكن له أي اعتبار أو تقدير عند إدارتهم بل يتم مساواتهم بالموظفين المتأخرين مما جعلهم ينهجون نهجهم ويلجأون إلى التأخر والغياب مثلهم، كما أن الموظف الذي يبقى في عمله إلى ما بعد الدوام يتألم لعدم تقدير عمله لهذا الأمر مما يجعله يتقاعس عن الحضور مبكرا إذ إن بقائه متأخراً لا يقدر.
إننا في حاجة ماسة لمواجهة هذه القضية برؤية قيادية من قبل المسؤولين العاملين في الأجهزة الحكومية بحيث يبحثون الأسباب ويستنبطون سبل العلاج ويكونون بدورهم قدوات ليرتفعوا بمنسوبيهم إلى أفضل مستويات الانضباط وبالتالي أعلى مستويات الإنتاجية.