ربما يحتاج إلى تحفيز .. الإفصاح

الإفصاح، هذه الكلمة التي أصبحت من أكثر المصطلحات المتداولة إعلامياً وبين الاقتصاديين والمعنيين بتحليل اتجاهات السوق في الفترة الأخيرة باتت من الأهمية بحيث إن الشركات الأفضل في هذا الإطار أصبحت من أكثرها جذبا للمستثمرين. وقد يحصر البعض مفهوم الإفصاح في معناه القريب الضيق وهو الإفصاح لملاك الأسهم. إلاّ أننا سرعان ما نكتشف أن المفهوم يتعدى هذه الدائرة ليشمل جميع ذوي المصالح، وعلى رأسهم المجتمع الذي تعمل فيه الشركة. وذلك أن من حق كل فرد أن يكون على علم بكيفية إدارة الموارد. ورغم أن الإفصاح بشقيه المالي وغير المالي يحتل أهمية ومكانة عالية إلا أننا سنتناول في هذا المقال موضوع الإفصاح غير المالي، فيما سنتناول موضوع الإفصاح المالي في مقال لاحق - بإذن الله.
في السنوات الأخيرة برزت تقارير الاستدامة كأحد أبرز أشكال الإفصاح غير المالي، حيث قامت العديد من الشركات بتبني الفكرة وإصدار التقارير سواءً بشكل سنوي أو كل سنتين، حسب توجه الشركة في مجال الاستدامة، على الرغم من عدم إلزامية هذه التقارير حتى الآن، إلا أن أهمية هذه التقارير، التي تستعرض نشاط الشركة في المجال الاقتصادي، البيئي، حوكمة الشركات، والجانب الاجتماعي، تكمن في أنها ترصد جميع القضايا والشؤون الداخلية والخارجية للشركة وتفاعلها مع أصحاب المصالح حسب ترتيب الأولوية لكل شركة، بل إنها في الكثير من الأحيان تعكس العديد من الأمور التي لا يمكن قراءتها بوضوح من خلال التقارير المالية المرفقة مع التقارير السنوية. وبذلك يتمكن المستثمر في الأسواق من بناء القرارات الاستثمارية على أرضية أكثر صلابة. فإصدار هذا
النوع من التقارير لا يؤدي إلى زيادة جاذبية الشركات المصدرة فحسب، بل سرعان ما أصبحت هذه التقارير إحدى أهم الأدوات التحليلية التي يمكن الاستناد إليها في ظل بيئة عمل سريعة التغير. فعلى سبيل المثال، تتناول هذه التقارير أطر الحوكمة بشكل مستفيض وتوجهات الشركة لتطويرها مستقبلا. كما أنها تسلط الضوء على أبرز المخاطر التشغيلية وغير التشغيلية التي تواجه الشركة بشكل أكثر دقة وسبل الحد منها، وتلمس أيضا جانب الموارد البشرية بشكل
واضح، ما يعزز ثقة المستثمر بقدرة الشركة على تبني أفضل السياسات والممارسات لجذب أفضل الكوادر في السوق لضمان ثبات وتحسين مستوى الأداء. أما الفائدة الأخرى الكبيرة من هذه التقارير فتتمثل في السعي الحثيث للشركات لتحسين جودة إسهاماتها والمضي قدما بخطط إصلاحية شاملة، وذلك في إطار استعدادها لإصدار التقارير، ويعد ذلك في حد ذاته أحد أكبر المكاسب التي يمكن أن يجنيها ذوو المصالح على اختلافهم. فنجد أن تلك الشركات أعلنت مبادرات وبرامج للحد من آثارها السلبية في البيئة، وتحسين ممارسة الأعمال بشكل عام.
إضافة إلى ذلك، فقد أدت هذه التقارير إلى زيادة وتقوية التواصل مع أصحاب المصالح والاستماع إلى جميع ملاحظاتهم ووضع حلول واضحة لمعالجتها، خصوصا أن هناك اتجاها عالميا اليوم لتدقيق هذه التقارير من قبل طرف ثالث.
فعلى سبيل المثال، كشف أحد المسؤولين في شركة جونسون آند جونسون أنهم تمكنوا من تحسين إدارة علاقاتهم مع العديد من عملائهم خلال عملية إصدار هذه التقارير، كما مكنتهم من مراجعة العديد من السياسات الداخلية للشركة لتعكس توقعات الموظفين.
ومن اللافت فعلا أن هذه التقارير تمكنت خلال فترة وجيزة من لفت نظر الكثير من الجهات التشريعية حول العالم، فقد قامت بورصة ماليزيا ممثلة في إدارتها بالتشجيع على الإفصاح باستخدام هذه التقارير ضمن سعيها لتحسين أداء السوق المالية. أما بخصوص سوقنا المحلية، فإن ربط إصدار هذه التقارير ببعض المحفزات سيكون الخيار الأمثل في الفترة الحالية عطفا على أنها لا تزال سوقا ناشئة.
يبقى أن ننوه بأنه على الرغم من تبني الكثير من شركاتنا تقارير الاستدامة إلاَّ أننا ما زلنا نرى أنه يجب أن تعطي هذه الشركات الكثير من الاهتمام بقياس الأداء اتباعا للقاعدة المعروفة: لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي