يامعالي الوزير .. لا فُض فُوك
اعتاد كثير من الجهات الحكومية مجاملة بعضه البعض على حساب الحقيقة والواقع، ونادرا ما ترى مكاشفة حقيقية في الاجتماعات مع رجال الأعمال أو على صفحات الصحف، ونقرأ ونسمع كثيرا من العناوين الرنانة التي توهمنا أنه لا مشكلة وأن الحلول قادمة والفرج واقع فاستبشروا وانتظروا الخير من تلك الجهة أو الأخرى. فنسمع مثلا، خصصت الموارد المالية لهذا المشروع أو ذاك الذي تطلع إليه المواطنون لسنوات، وبعد أن تدقق في البيانات تعرف أن هذا المبلغ الضخم هو للمشروع، مقسم على خمس أو أربع سنوات تبدأ من تاريخ الترسية إذا لم يكن هناك تأخير في المشروع، لهذا ترى المشاريع تأخذ سنوات عديدة مع أنه يمكن إنهاؤها في وقت أقصر مع توافر القدرات والموارد، ولكنه ذكاء أو دهاء أو سمه ما شئت.
ولا شك أن أي جهة حكومية أو غيرها تحتاج إلى التواصل وتحسين صورتها في المجتمع ولا أحد يعارض ذلك، ولكن عندما نتعدى ذلك بالإطراء الزائد باستخدام العبارات التي تدل على أكثر من الواقع، هناك نعترض. ولو تابعنا التصريحات العديدة لعدة جهات عن فرص العمل الجديدة التي سوف توفرها المدن والمشاريع الجديدة لنمنا في السبات لأن عددها سيفوق عدد العمالة السعودية القادمة لسوق العمل. لذلك أنتهز هذه الفرصة لأحيي وأشكر الوزير الصدوق والمواطن المخلص والوزير الجريء معالي الدكتور القصيبي على برقيته إلى الجهات الحكومية المختلفة "المدينة 28/3/2007" عن تصريحاتها عن فرص العمل التي ستوفرها مشاريعهم.
وصدق معاليه عندما ذكر "أن بعض كبار المسؤولين في الأجهزة الحكومية المختلفة يعلنون بين الحين والآخر عن أرقام محددة وكبيرة للوظائف التي ستتيحها بعض المشاريع الجديدة للشباب السعودي وتصل بعض التقديرات أحيانا إلى مئات الآلاف من الفرص الوظيفية وأن هذه التقديرات لا تكون واقعية في بعض الأحيان مما يؤثر في مصداقية وزارة العمل وبقية أجهزة الدولة ". ونزيد معاليه أن هذه التقديرات ليست أحيانا بل دائما غير واقعية وتؤثر في مصداقية الحكومة ككل.
وكما ذكر معاليه فإن معظم هذه الأرقام تتعلق بالقوى البشرية اللازمة لتنفيذ كل مشروع ولا تعبر عن فرص العمل التي يتيحها المشروع بعد نفاذه. لا فُض فوك.. ولو تعاملت كل الجهات الحكومية بهذه المصداقية لارتاحت وأراحتنا من الأحلام الواهية.
وبما أننا في موضوع العمالة والمشاريع الجديدة، فليسمح لي معاليه بالتطرق إلى بعض النقاط السريعة عسى أن تلقى قبولا لدى وزارته.
أولا: إن اتخاذ بعض القرارات ثم تعديلها أو إلغاءها أو تأجيلها التي يعتبرها البعض ضعف، أعتبرها قوة وشجاعة من معاليكم، لأنكم أكبر من أي قرار تتخذونه لأنكم تقدمون المصلحة العامة ولا ترغبون في إضرار أي فرد مستقيم.
ثانيا: رأينا تخفيض النسب للمقاولين وهذا عين العقل ولكن أتمنى أن تفرض على جميع المقاولين السعوديين والأجانب تشغيل أو على الأقل تدريب وتشغيل نسبة لا تتعدى 5 في المائة في الأعمال الفنية والهندسية ولن تكلفهم كثيرا, حيث إن مصروفات هذه العمالة الوطنية الشابة لن تمثل شيئا بجانب قيمة هذه المشاريع ومواردها وتكاليف الآلات والعمالة الأجنبية. ومن لا يستطيع لعدم وجود المواطن الشاب الراغب في التدريب أن يدفع ما يعادل راتبه الشهري إلى صندوق الموارد البشرية لإفادة غيره لاحقا.. هل يعقل أن نمر بطفرة ثانية في حياتنا ونبني مدنا جديدة ولا يمكننا أن نستفيد منها في تدريب بعض شبابنا في الإنشاءات والهندسة والمراقبة والإدارة وتشغيل المعدات المختلفة حتى يستمروا في أعمالهم أو ينشئوا شركاتهم الصغيرة للعمل بعد رحيل الجميع، أم سنظل مع شبابنا نتفرج على الوافدين من الشركات الأجنبية بإنشاء هذه المشاريع ثم الرحيل مع أموالنا ويبقى القليل من شبابنا يعمل في وظائف جانبية لا تنفع ولا تفيد؟
ثالثا: أخذتنا 20 سنة للوصول إلى أعلى من (60 في المائة) أيد عاملة سعودية على جميع المستويات في مصانعنا السعودية قبل وجود صندوق الموارد البشرية، ولكننا نرى أن هذه النسب تذوب بسرعة مع المشاريع الجديدة، التي لم تبدأ بعد بالمرحلة الجدية في هذه المشاريع بسحب المدربين من المديرين والمهندسين السعوديين والفنيين الذين استثمرنا فيهم كما يقول البعض دم قلبنا ولا أحد يمنعهم من مضاعفة دخولهم عدة مرات في المشاريع الجديدة، ولا يمكن للشركات والمصانع القائمة منافسة المشاريع ماديا ولكن النتيجة الحتمية هي صعوبة استمرار المصانع في زيادة نسبة السعودة أو حتى الاحتفاظ بما لديها لأن ذلك سيعتمد على عدد الراحلين إلى هذه المشاريع. ومن خبرة سابقة من الطفرة الأولى لم يبق إلا 3 في المائة وأنا واحد منهم في المصنع بعد أن كانت النسبة 90 في المائة سعوديين. لذلك نطلب ونؤيد مطالب الصناعيين في بحث قرار الوزارة بخصوص نسبة السعودة في هذه المرحلة الحرجة والوصول إلى حلول مرضية, كذلك التسهيل للمصانع في استقدام العمالة والإدارة الفنية اللازمة أسوة بالمقاولين الأجانب والمصانع أولى ومعاليكم سيد العارفين بالصناعة وما سيقابلها من ضغوط وتضخم ومنافسة عالمية.
وأخيرا بخصوص العمالة المنزلية فلم أكن أتصور عمق هذه المشكلة والمعاناة التي يلقاها المواطنون عندما كتبت مقالتي الشهر الماضي، ولا يكفي الإعلان التحذيري لوزارتكم الموقرة، بل طالب الكثير بعمل جدي حكومي موحد وسريع، فهل يتكرم معاليكم بحث مجلس الغرف أو أي جهة ترونها إن كان ذلك من اختصاص وزارة العمل وإن لم يكن فيا ليت معاليكم يعمل خيرا ويقوم بهذا العمل وهو بحث إنشاء شركات مساهمة عامة مع رجال أعمال ووزارة الداخلية بجهاتها المختلفة من شرطة ومباحث وجوازات وغيرها وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة التجارة والصناعة ووضع التنظيمات التي تحكم حل قضية العمالة المنزلية واستقدامها وتنظيمها والمقترحات كثيرة ولا نريد شركات خاصة أو شركات امتياز بل شركات مساهمة عامة دون علاوة إصدار ومؤسسين لا يملكون أكثر من 40 في المائة ولا يبيعون أسهمهم قبل ثلاث سنوات من إنشائها، شركات لا تقل عن اثنتين في المدن الكبرى مع فتح فروع لها في المدن الصغرى لاحقا، ويمكن استئجار العمالة المنزلية يوميا وأسبوعيا وشهريا وسنويا منهم، وهذه الشركات ستتيح مئات الوظائف للسعوديين والسعوديات كإدارة وإشراف وعمل وتوظيف، وهذا لا يعني وقف الاستقدام للخدمة المنزلية نهائيا بل تنظيمه ولا نريد أن نزعج معاليكم بالتفاصيل.
وننتهز هذه الفرصة لنكرر أن مثل هذه الشركات المساهمة العامة بالضوابط الواضحة والاستثمارات الكبيرة ستساعد وزارة الداخلية على الدور الذي تقوم به مشكورة. هل يعقل أن الوزارة أفشلت أكثر من 300 ألف محاولة تسلل عبر حدودنا في مدة عام فقط! ونرى الآلاف من المقبوض عليهم من المخالفين من جميع مدن المملكة حسبما ينشر في الصحف. فعلينا مساعدة الحكومة ومساعدة أنفسنا. وهذه الشركات بتنظيماتها ستساعد في الانضباط وستساعد وزارة الداخلية لاحقا على تطبيق العقوبات القائمة بعد سد حاجة المواطنين والوافدين من هذه الضرورة، ولا يمكن أن تتهرب كل جهة حكومية وخاصة من حل هذه القضية لأنها لا تدخل ضمن مسؤولياتها. نريد جهة ما تتبنى هذه القضية ووضع الحلول لها بمشاركة جميع الأطراف.