لماذا هذا التعنت يا وزارة المياه؟
شرعت وزارة المياه في إنشاء العديد من السدود خلال العقود الماضية في مختلف المناطق بهدف الاستفادة من مياه الأمطار عن طريق تخزينها كمياه جوفية أو مخزون مائي ظاهر يُستفاد منه عند الحاجة. ووصل عدد السدود في المملكة حتى عام 1433هـ إلى 394 سدا بتكلفة إجمالية بلغت أكثر من خمسة مليارات ونصف المليار تقريبا وسعة تخزينية تقدر بملياري متر مكعب تقريبا حسب ما ذكرته صحيفة “عكاظ” في تقريرها الأسبوع الماضي. وحصلت منطقة عسير على النصيب الأوفر بين مناطق المملكة بسبب تضاريسها وطبيعتها الجبلية والساحلية، فقد تم الانتهاء من إقامة 86 سدا في منطقة عسير تليها منطقة الرياض بـ 72 سدا فمنطقة مكة المكرمة بـ 40 سدا وأقلها منطقة جازان التي تضم عشرة سدود فقط، كما يجري العمل حاليا على تشييد 106 سدود في مختلف المناطق.
ورغم أن منطقة جازان لم تحظ بنصيب وافر من السدود إلا أنها تضم أكبر سد في الجزيرة العربية، وهو سد وادي بيش الذي يقع على بعد 133 كيلو مترا إلى الشمال الشرقي من مدينة جازان، ويبلغ طوله من منبعه حتى آخر نقطه له على شواطئ منطقة جازان نحو 160 كيلو مترا ليسجل كأهم وأكبر تلك الأودية التي أقامت عليها وزارة المياه والكهرباء سدا من الخرسانة الثقيلة بارتفاع يقارب 106 أمتار وبطول يصل عند القمة إلى 340 مترا وبمساحة حوض مغذ للسد بلغت 46 كيلو مترا مربعا، وتبلغ السعة التخزينية لبحيرة سد وادي بيش 19.364 مليون متر مكعب من المياه. ويعد سد وادي بيش علامة بارزة وإنجازا حضاريا ومفخرة وطنية ليس فقط في ضخامة التشييد، بل في الفائدة منه، فالثروة الهائلة التي يحويها السد تغذي مناطق عدة منها منطقة جازان ومنطقة عسير.
إلا أن منطقة جازان تعرضت لهزة أرضية قبل نحو الشهر تقريبا بلغت قوتها أكثر من ست درجات على مقياس رختر وتعرضت خلال الأسبوع الماضي إلى ست هزات أرضية ارتدادية ضعيفة بقوة 2.3 على مقياس رختر كما أوضح ذلك المركز الوطني للزلازل والبراكين في هيئة المساحة الجيولوجية، وتلقت إدارة الكوارث في مديرية الدفاع المدني في منطقة جازان بلاغات عدة من بعض المواطنين تفيد بشعورهم بهزات أرضية متعددة. وعلى أثرها قامت مديرية الدفاع المدني في منطقة جازان بإبلاغ وزارة المياه والكهرباء بتخفيض منسوب المياه في سد وادي بيش تحسبا لأي هزات أرضية قادمة قد تؤثر في هيكل السد، وأخلت بالفعل إدارة الدفاع المدني مسؤوليتها عن أي حدث قد يحدث في المستقبل نتيجة ارتفاع منسوب المياه في السد، الذي قد يتأثر نتيجة الهزات الأرضية التي تتعرض لها منطقة جازان، خصوصا أن البناء والبنية التحتية والعمرانية غير مناسبة لطبيعة المنطقة في جازان حسبما ذكر رئيس قسم الجيولوجيا في جامعة الملك سعود عندما وصف وبين أن كود البناء في منطقة جازان غير مناسب لمعظم المرافق الحكومية الكبيرة لمواجهة الكوارث الطبيعة ومنها بالتأكيد سد وادي بيش.
وبعد تعنت من وزارة المياه والكهرباء تمت الموافقة على تخفيض منسوب المياه في السد بعد اجتماعات عدة عقدت بين منسوبي الوزارة ومديرية الدفاع المدني. ورغم الاتفاق على تخفيض منسوب المياه في السد إلا أنه ما زال هناك خلاف حول الكمية التي سيتم تفريغها. فالدفاع المدني يرى أنه يجب تفريغ كمية أكبر من المياه بينما ترى وزارة المياه أن كمية المياه المخزنة، التي تتمثل في 181 مليون متر مكعب لا تشكل خطرا البتة، وترى أن هذا مخزون استراتيجي يصعب تعويضه.
ووزارة المياه محقة فيما ذهبت إليه من أن كميات المياه التي يحويها السد تمثل مخزونا استراتيجيا لمنطقة جازان ومنطقة عسير والمناطق المجاورة لهما، وهذا إنجاز لا ننكره وعمل جبار يجب أن ننصفه، إلا أنه في الوقت نفسه قد يكون وبالا على المنطقة ومن فيها لو تعرض السد لأي تشققات، خصوصا أن هناك هزات أرضية متعاقبة لم تشهدها المنطقة من قبل ولم يراع تأثير الهزات الأرضية عند بناء السد، أي لم يؤخذ في الحسبان تأثير الهزات الأرضية على المباني بشكل عام ناهيك عن أن تنفيذ المشاريع العملاقة في بلادنا في السنوات الأخيرة يشوبه الكثير من الإهمال وعدم الإتقان بسبب قلة الرقابة بعد التنفيذ وفي أثنائه. فبين الوقت والآخر نرى ونسمع عن انهيار مفاجئ لبعض المشروعات الضخمة في بلادنا من جسور معلقة عملاقة ومبان مجهزة وغيرها. وسد وادي بيش رغم ضخامة المشروع ودقة التنفيذ إلا أنه لا يستثنى عن بقية المشروعات الهشة التي تم تنفيذها من قبل بعض الوزارات والهيئات وما صاحبها من ثغرات معمارية وشروخ وتجاوزات تنفيذية.
نتمنى من وزارة المياه أن تكف عن المخاطرة بأرواح الناس، فلو - لا قدر الله - انهار السد لأي سبب طبيعي أو خلل تنفيذي فستكون عواقبه مدمرة وسيقضي على الحرث والنسل في جزء كبير من منطقة جازان وسيجتاح قرى بأكملها وبنية تحتية من مدارس ومستشفيات ومراكز أمنية، بل سيغير ملامح الأرض.
واذا كانت وزارة المياه تريد أن تبقي على هذا المخزون من المياه كما هو فلعلها تتبنى خططا احتياطية تستفيد بها من مخزون المياه وفي الوقت نفسه تحافظ على أرواح الناس عن طريق فتح قنوات على جانبي السد تمثل أنهارا صناعية صغيرة دائمة تخفف كثافة المياه ويستفيد منها المزارعون على ضفاف الوادي، أو أن تبني سدا آخر يكون احتياطيا فيما لو حصل مكروه للسد الأصلي - لا سمح الله - إلا أن هذا يحتاج إلى سنوات من العمل، فالهزات الأرضية المتعاقبة لن تمهل وزارة المياه حتى تنهي احتياطياتها، لذا نرى أن أسلم حل هو تخفيض مخزون المياه إلى أقل قدر ممكن ولو وصل الأمر إلى تفريغ السد بالكامل من مخزونه بعد ذلك تعيد وزارة المياه حساباتها في أخذ الحيطة والحذر للكوارث الطبيعية من هزات أرضية ونحوها.