النفط وأمريكا ومستقبل العرب
كثر الحديث أخيرا عما يمكن أن نطلق عليه "معجزة" أمريكا النفطية. تقرير بعد تقرير ومن أمهات المصادر والمطبوعات الرصينة يتحدث عن اكتشافات مذهلة وأرقام إنتاج فلكية ومستقبل باهر ينتظر الاقتصاد الأمريكي.
دون شك أمريكا دولة جبارة لم ير التاريخ لها مثيلا من حيث القوة والمنعة والقدرة عسكرية كانت أو اقتصادية. ولكن يجب ألا يغيب عن البال أن الصين استطاعت الوصول تقريبا إلى المكانة ذاتها لا بل التفوق عليها من خلال سياسات حققت نموا مضطردا خلال العقود الثلاثة الأخيرة حولتها من دولة في خانة العالم الثالث إلى دولة رقم واحد في كثير من المناحي.
ليس قصدي من هذه الرسالة مقارنة الصين بالولايات المتحدة. ما أرمي إليه هو التحدث بشكل مختلف وليس أفضل عن ولوج أمريكا باب إنتاج النفط والغاز وتحولها وبشكل سريع من دولة مستوردة تعتمد بشكل كبير على الغير في تلبية متطلبات الطاقة إلى دولة مصدرة.
وليس غرضي أيضا اجترار أرقام الإنتاج والاحتياطات الغازية والنفطية المتاحة لأنها متوفرة على الشبكة العنكبوتية بمختلف اللغات ومنها العربية. هدفي يتمثل في المدلولات والدروس التي يمكن للعرب لا سيما النفطيون منهم تعلمه من الطريقة التي تحاول الولايات المتحدة استغلال نهضتها النفطية والغازية هذه.
الاكتشافات الجديدة وأرقام الإنتاج والاحتياطات صحيحة لأن أمريكا أخذت تصدر النفط والغاز وقللت مشترياتها إلى أقص حدد ممكن. بروز أمريكا كبلد نفط وغاز مؤثر في السوق العالمية معناه أن أغلب الأرقام والإحصائيات التي نملكها اليوم ليس عن مخزون الموارد الطبيعية وحسب بل عن كل ما في حوزتنا وما هو في متناولنا من أجهزة ومعدات وتكنولوجيا وصناعة قد تصبح بالية وأحيانا بسرعة لم نتوقعها.
بدأت حياتي كصحفي محترف في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي (قبل نحو 25 سنة). وكنت كمراسل لوكالة رويترز أملك جهاز هاتف نقال وزنه نحو 30 كيلوجراما عدا الصحن الكبير الذي يرافقه ويستغرق نحو نصف ساعة بعد تشغيله كي يصبح فاعلا وكان من الصعوبة بمكان نقله من مكان إلى آخر. وكنت حيث حططت ترحالي كمراسل مثار الحسد والدهشة من قبل زملائي لكوني أستخدم جهازا "متطورا" للإرسال.
اليوم عندما أنظر إلى الهاتف الذكي الذي أحمله وإمكاناته التقنية المذهلة أقول: هل ظل مجال أو حيز لما يمكن أن يقدمه العلم لنا من تقنية وإمكانات لم يتم تطويعها أو اكتشافها حتى الآن؟ الجواب هو أن السؤال ذاته غير منطقي وفي غير محله ولا يجوز إثارته لأن لا حدّ للتطور البشري في جميع المناحي وسيستمر وبخطوات أسرع إلى ما شاء الله.
الدول الصناعية المتطورة تنطلق في نهجها البحثي والعلمي من أرضية ألا حدود لطاقة الإنسان في تغير وضعه وما هو متاح له صوب الأحسن والأفضل في كل الحقول المتعلقة بحياته على هذه الأرض. وهذا هو بالذات المنطلق الذي تستند إليه الشركات الغربية الرأسمالية الذي أساسه أن منحنى النمو بجميع أشكاله يجب أن ينمو ويزيد وإن حدث انكماش أو انخفاض يجب العمل بكل الوسائل للوصول إلى مرحلة النمو من جديد.
الشركة التي تقود نهضة أمريكا النفطية والغازية هي شيفرون ومنحنى نموها يكاد يصل عنان السماء وإن أخذنا استثماراتها في حقل الطاقة فقط لنرى أن ما أنفقته هذه الشركة في مشاريع استثمارية ذات علاقة بالنفط والغاز وصل إلى 34 مليار دولار في عام 2012 وقارب 37 مليار دولار العام الماضي. هنا نتحدث عن شركة واحدة. لا تمضي فترة إلا وشيفرون لها اختراع جديد لكشف وتنقيب واستخراج النفط والغاز.
تبلغ مساهمة صناعة الغاز والنفط الأمريكية أكثر من تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي وتشغل أكثر من تسعة ملايين عامل. حتى وقت قريب كانت أغلب واردات الطاقة الأمريكية تأتي من دول الخليج العربية واستمر هذا لعدة عقود ولكننا لم نشهد ولادة شركة وطنية تنافس شيفرون مثلا أو صناعة نفطية وغازية وطنية تستند إلى التشغيل المحلي حصرا.