الأمراض.. خسائر مادية كبيرة وخسائر بشرية أكبر

الأرقام التي أعلنها الدكتور توفيق خوجة مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة في مجلس التعاون الخليجي، حول الأمراض غير المعدية في الخليج، أرقام مخيفة. ورغم أن طبيعة هذه الأمراض ليست جديدة على المنطقة، إلا أن ارتفاع عدد المصابين بها، يمثل مشكلة يمكن وصفها بالكبيرة. معظم هذه الأمراض تأتي كنتيجة مباشرة لتردي فهم الحياة الصحية، وهي في النهاية ثقافة تتطلب الكثير من الجهد لنشرها، أو لإيصالها بصورة مقبولة سلسة غير منفرة. ويمكن وضع عنوان لهذه "الحياة الصحية" وهو ببساطة "الحركة"، وهذا لا يعني الرياضة التي لا تزال في ذيل قائمة اهتمامات الخليجيين بصورة عامة. فالحركة هنا، أن يتم بذل جهد في حدوده الدنيا. وهو أمر يمكن لأي فرد القيام به، حتى وإن كان معوقاً. والحقيقة المجردة، أن نسبة "المتحركين" الخليجيين، لا تكاد تذكر.
الاقتصادات الخليجية خسرت في العام الماضي 36 مليار دولار في مواجهة الأمراض غير المعدية، وحسب الأرقام الرسمية، فمن المتوقع أن تصل إلى 68 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2022. وفي الوقت الذي تقوم فيه دول مجلس التعاون بتنفيذ سلسلة من الاستراتيجيات الاقتصادية والتنموية مربوطة بأعوام محددة، إلا أن التوعية الصحية تبقى دون مستوى وزخم الاستراتيجيات المشار إليها. ورغم أن مسببات مرض كـ "السكري" ـــ على سبيل المثال ـــ بعضها وراثي، إلا أن بعضها الآخر ليس كذلك، وهو يصيب الأفراد نتيجة طبيعة حياتهم غير الصحية. فلا غرابة أن تتصدر دول المنطقة قائمة البلدان الأكثر إصابة بهذا المرض. والمروع أن نسبة الأطفال المصابين به تزداد بصورة مأساوية، والسبب هو نفسه.. تجاهل المعايير الصحية من مأكل ومشرب، إضافة (طبعاً) إلى تراجع معدلات الحركة.
مقابل ارتفاع عدد المصابين بالأمراض غير المعدية في الخليج، تظهر الأرقام تراجعاً مخيفاً في نسبة النشاط البدني، تراوح نسبته بين 34 و81 في المائة! وهذا وحده يطرح أسباب المشكلة مجردة تماماً. وعلى الصعيد العالمي، فمن المتوقع أن تتسبب الأمراض غير المعدية في نحو ثلاثة أرباع الوفيات بحلول عام 2030. ومع ارتفاع عدد المصابين بهذه الأمراض في الخليج، علينا أن نتخيل نسبة الوفيات في المنطقة. لقد قامت الحكومات الخليجية بمجموعة من حملات التوعية على مدى السنوات العشر الماضية، بما في ذلك تلك التي تشجع المواطنين على المشي فقط، لا على رفع الأثقال. ومع ذلك، فقد كانت نتائجها متواضعة، والأمر ينسحب هنا حتى على المقيمين في الخليج الذين صاروا جزءاً من المنظومة الصحية للمجتمعات التي يعيشون فيها.
أمام هذه الأرقام والخسائر الناجمة عن الإصابة بالأمراض المعدية، لا تكون الرعاية الصحية كافية للحد من انتشارها، بل تبقى التوعية المنظمة والمدروسة التي تستند إلى أسس متطورة، الآلية الأولى لتفادي الخسائر البشرية والمادية. فالمريض لا يكلف فقط في علاجه، بل يكلف في توقفه عن العمل خلال فترة مرضه، وهذه أيضاً خسائر هائلة لو تم حسابها، لربما فاقت حجم الأموال التي تنفق على العلاج. صحيح أن التوعية لا تفرض، ولكن الصحيح أيضاً أن التوعية التي تنشر بتسويق متطور، يمكن أن تحقق أهدافها. في بعض البلدان الراشدة، يفكرون حالياً في فرض ضرائب على الأطعمة غير الصحية، لدفع الناس للعزوف عنها، تماماً كما يحدث في قطاع التبغ. وبعض المنظمات الأهلية في الدول الغربية، تسعى حالياً لاستصدار قوانين تحظر إعلانات هذا النوع من الأطعمة.
هناك الكثير مما يمكن عمله في هذا المجال، بما في ذلك فرض قوانين صارمة على الأطعمة التي تقدم في المدارس (مثلاً)، ووضع قواعد صحية لهذه المواد الغذائية. إن الخسائر المادية الناجمة عن الأمراض المعدية في الخليج كبيرة وتتعاظم، ولكن الخسائر البشرية تبقى أكبر وأعظم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي