البداية الصحيحة لتعاون إعلامي خليجي

شاركت أخيرا مع عدد من الزملاء الإعلاميين البحرينيين والإماراتيين في ندوة عقدت في "أبوظبي" تحت عنوان "التعاون الإعلامي الإماراتي – البحريني في ظل التحديات الراهنة".
كان الغرض من هذه الندوة، التي نظمها مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع جمعية الصحافيين البحرينية، وشارك فيها أيضا لفيف من الإعلاميين من المملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عمان، هو بحث أشكال التعاون الإعلامي لمواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها دول المنطقة من قبل الدوائر الأمريكية والغربية الحاقدة ومنظماتها الحقوقية المشبوهة المتواطئة مع قوى الإسلام السياسي بشقيها الإخواني والإيراني.
وعلى مدى يومين وأربع جلسات مطولة خضنا نقاشات طويلة وطرحنا رؤى كثيرة أسفرت عن مجموعة من التوصيات المهمة التي لو تم تنفيذها على أرض الواقع لبدأنا البداية الصحيحة لما يجب عمله داخليا وخارجيا لجهة مواجهة المغرضين وأصحاب الدكاكين الإعلامية والأجندات الظلامية والداعمين لهم من كتاب انقضى عمرهم الافتراضي ولا يزالون يلوكون الشعارات الغبية وينسبون لأنفسهم أدوارا بطولية مستشهدين في ذلك بشخصيات سياسية احتضنتها القبور منذ أزمان بعيدة كذلك الكاتب "الكبير" الذي زعم أخيرا – من خلال برنامج حواري متلفز - بأنه كان شاهدا على تفريط العرب بالجزر الإماراتية الثلاث مقابل حصول البحرين على استقلالها!
من تلك التوصيات مثلا:
• تشكيل لجنة عليا لتفعيل التعاون الإعلامي البحريني – الإماراتي، ووضع الاستراتيجيات والخطط مع التدخل فيها تطويرا وتعديلا وفقا للظروف والمستجدات، والعمل على ضم دول خليجية أخرى إلى هذا التعاون.
• تشكيل "خلية أزمة إعلامية" لمواجهة أي تهديد قد تتعرض له دول مجلس التعاون، وتولي تنسيق العمل الإعلامي اليومي، وتقديم المعلومات والبيانات والمختصرات الصحافية، ومخاطبة وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والتصدي للتشويه الإعلامي الذي تمارسه بعض الجهات الإعلامية أثناء تغطيتها للأوضاع الخليجية.
• ضرورة تأسيس "مراكز البحوث والدراسات الخليجية" التي تعنى بدراسة الظواهر المجتمعية المهددة للأمن الثقافي، ورصد الشبكات والتحالفات الخبيثة المتربصة بالمجتمعات الخليجية مع تعقبها ومواجهتها ومقارعتها بالحجة.
• تفعيل الدبلوماسية الشعبية عبر إرسال الوفود الشعبية لزيارة الدول المؤثرة والالتقاء بمنظماتها المدنية بهدف عرض الحقائق وشرح التطورات وتدعيم وجهة النظر المحلية.
• أهمية أن تتبنى دولة الإمارات والبحرين فكرة إنشاء محطة فضائية ناطقة باللغة الإنجليزية في الغرب، تهتم بمصالح الدول الخليجية، إضافة إلى تفعيل بعض المؤسسات الإعلامية الخليجية الحالية للقيام بواجباتها، وتهيئة الطلاب الجامعيين الدارسين في الخارج للتعاون مع المنظمات الحقوقية المختلفة.
ومن محاسن الصدف أن الندوة المشار إليها تزامن توقيتها مع حملة شعبية أطلقها الأشقاء في الإمارات تحت عنوان "شكرا خليفة" اعترافا وتقديرا منهم للدور الذي قام به سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مع إخوانه وأشقائه من حكام الإمارات السبع في تنمية دولة الإمارات، والحفاظ على أمنها وازدهارها واستقرارها، وتحويل شعبها إلى واحد من أكثر شعوب العالم سعادة ورفاهية.
وهكذا لم نملك إلا أن نشارك إخوتنا في الإمارات حملتهم ونردد معهم كلمات الشكر والعرفان للرجل الذي لم يسعد شعبه فقط وإنما أسعدنا نحن في البحرين أيضا بتضامنه مع خادم الحرمين الشريفين في وقفتهما الشجاعة مع بلادنا يوم أن تعرضت للغدر والخيانة في شباط "فبراير" 2011.
وإذا كان خليفة بن زايد يستحق الشكر والتقدير والعرفان بجدارة في الإمارات فإن سـَـمِــيّهُ في البحرين رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان يستحق هو الآخر الشكر والعرفان، ليس فقط لأنه قائد مسيرة البناء والتنمية منذ ما قبل استقلال البحرين الناجز يوم أنْ كان سندا وعضدا لشقيقه الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة - طيب الله ثراه، وإنما أيضا بسبب وقفته الشجاعة والصارمة ضد من أرادوا التفريط بعروبة البحرين وسيادتها وتغيير نظامها لصالح الولي الفقيه القابع في طهران على نسق ما جرى في العراق المثخن بالجراحات والنزاعات والطأفنة المقيتة.
ولعلني لا أبالغ لو قلت إن من أكثر الكلمات التي ألقيت في الندوة جذبا للإصغاء كلمة رجل الأعمال البحريني خالد راشد الزياني حول دور الإعلام غير الرسمي في إيصال صوت الحقيقة إلى الخارج، التي استعرض فيها تجربته في محاورة رجالات الكونجرس الأمريكي وصناع القرار في واشنطن يوم أن كان في عداد وفد ذهب إلى هناك برئاسة شخصية اقتصادية رسمية نافذة.
الغريب في هذا اللقاء - طبقا للزياني – أنه بدلا من أن يُسمح له ولرفاقه بمصارحة الأمريكيين بما يختلج مشاعرهم كمواطنين بحرينيين جراء المواقف الأمريكية المتخاذلة والبليدة حيال الوضع البحريني وأوضاع المنطقة بصفة عامة، أشار عليهم رئيس الوفد – أي المسؤول الحكومي – بضرورة توخي الحذر فيما سينطقون به خوفا من إزعاج الحليف الأمريكي أو إثارته.
وهذه العملية بحد ذاتها تكشف ضحالة فهم بعض شخصياتنا الرسمية الخليجية لكيفية عمل الإدارة الأمريكية وأجهزتها الرسمية ولوبياتها. وبعبارة أخرى فإن هؤلاء يجهلون أن صانع القرار الأمريكي يحترم من يتحدث إليه بصراحة وندية وشفافية ويعبر عن مكنونات ضميره بوضوح ويقاتل بالكلمة من أجل قضية شعبه العادلة، ويتجاهل من ينافقه أو يتحدث إليه بتردد أو خجل.
وهكذا كانت النتيجة أن الزياني – الذي لم يلتزم بالتعليمات التي وجهت إليه، وعبر للجانب الأمريكي عما يشعر به فعلا من ألم تجاه سياسات واشنطن المؤدية لا محالة للإضرار بالمصالح الأمريكية الكثيرة في المنطقة الخليجية والعربية – تلقى برقية شكر وتقدير على شجاعته وتفهماً للرسالة التي أراد توصيلها من وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد، بينما لم يكترث أحد بما قاله الآخرون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي