التسويق .. ليس «هياطا»

جمعني حديث ودي مع مسؤول كبير في شركة الاتصالات السعودية العملاقة، سألته: لماذا اخترتم التوقف عن رعاية الأندية رغم استمرار منافسكم القوي في الساحة؟ أجاب: بعد أربعة أعوام وصلنا إلى قناعة أن خيار الشراكة الاستراتيجية لم يكن صائبا في علاقتنا مع الأندية، ولذلك أسبابه.
استمر في حديثه مفصلا: الأندية السعودية تريد المال فقط دون أن تكلف نفسها عناء الوفاء بالتزاماتها التعاقدية. سألته: ما المطلوب منها؟ بل بماذا أخلت في تعاقداتها؟ رد بسرعة: كنا نعاني في علاقاتنا مع الأندية عددا من المشكلات، مثلا، لم نجد اهتماما حقيقيا منهم كشركاء في تقديم محتوى جذاب يستقطب الجماهير، لم تكن الأندية حازمة مع لاعبيها عندما نطلبهم لتصوير بعض الإعلانات الموقع عليها في العقد، كثير من الإدارات كانت تطلب دفعات مالية مقدمة، وفي هذا كسر واضح لبنود التعاقد وإرهاق للشريك، وهذا المسلك يسمح للعشوائية بتصدر العلاقة بيننا، أيضا رصدنا لا مبالاة حقيقية تجاه المصالح المشتركة.
وتابع المسؤول الاستثماري: الأندية السعودية كانت تتعامل معنا كبقرة حلوب، تضخ اللبن في الوقت المطلوب، وتابع: هذه علاقة غير عادلة ولا يمكن تصنيفها تحت الديمومة. قلت له: هل يمكن أن نصف التجربة بالفاشلة؟ رد: ليست فاشلة تماما، حققنا بعض الإيجابيات، ولم نصل إلى أهدافنا الحقيقية، وكان بالإمكان أفضل مما كان. قبل أن أودعه كان السؤال الأخير: هل وصلتم إلى قناعة بعدم جدوى الاستثمار في حقل الرياضة؟ تنفس بعمق وأجاب: ليس تماما، لكننا وصلنا إلى قناعة أن العلاقة بشكلها السابق لن تستمر وأنها بحاجة إلى إعادة نظر، وترتيب أولويات، وإعادة صياغة الأهداف من جديد، وهذا لا يعني مغادرة كرسي الاستثمار الرياضي، بل الاستفادة من التجربة في المستقبل القريب.
.. أعتقد أن حديث المسؤول يلخص الأخطاء التي وقعت فيها الأندية، وكما قال إن شركته تعيد صياغة رؤيتها للاستثمار الرياضي وعلاقاتها مع المؤسسات الرياضية، حري بالأندية أن تسير في الركاب ذاتها، وتبحث عن تعديل الأخطاء التي وقعت فيها خلال علاقاتها الاستثمارية سابقا.
الأزمة المالية المتصاعدة التي تعانيها الأندية السعودية، وظهرت بوضوح في ناديين ثريين سابقا كالشباب والاتحاد هذا الموسم، تفرض على هذه المؤسسات ومسيريها، البحث عن فرص جديدة تدر عليها المال، وعدم الوقوف مربوطة اليدين منتظرة من الشركات الدخول معها في علاقات غير متكافئة.
ما الذي يجب أن تفعله الأندية؟ أعتقد أن الحكمة تقتضي تأسيس أقسام خاصة بالتسويق والاستثمار داخل الأندية، تعمل برؤى مستقبلية لا ترتبط ببقاء رئيس أو رحيله، وتلتزم بقوانين صارمة تكفل حقوق الشركاء وديمومة العلاقات، وتخلق فرصا جديدة لاستدرار المال للأندية.
.. ومن الحكمة أن تبتعد هذه الأقسام المستحدثة، عن استهداف مكاسب وقتية وتعتمد على خطط بعيدة المدى، تكفل ديمومة العلاقة بالشركات والمؤسسات الراغبة وتستقطبها بعد أن تهيئ الأجواء الجذابة والمغرية.
في الكرة السعودية، تحظى الأندية باهتمام جماهيري عال جدا، وتتصاعد المنافسات عاما إثر عام، وتتوسع رقعة الأبطال، وهذه مغريات لا تتوافر في كثير من البلدان المجاورة، لكنها تفتقد للتسويق المناسب إعلاميا وشعبيا.
التسويق.. التسويق.. عامل مهم في نجاح أي فعالية أو مؤسسة، وخارج الرياضة، أعتقد أن كثيرا من مكتسبات بلادنا السياحية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية، تنزوي في آخر القائمة أمام مثيلاتها لدى الآخرين، بسبب افتقادها التسويق الجيد، وربما للموروث الشعبي دور في ذلك، وهو الذي تقوم بعض أدبياته على تصنيف التسويق كنوع من "الهياط"، رغم رواج الأخير المتصاعد في الفترة الأخيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي