البلديات .. في انتظار المبادرات
صدرت الموازنة الجديدة للدولة باعتماداتها الضخمة، ومعها يتأكد ما كرره الملك عبد الله للوزراء أكثر من مرة "لا عذر بعد اليوم"، ولكن ومهما كبرت أرقام الموازنة فإن الاستمرار بالطريقة التقليدية في أداء الأعمال التي تسير عليها أجهزة الدولة منذ 40 عاماً، يقلل من النتائج الإيجابية المنتظرة من هذه الموازنة.. ولذا لا بد من تشجيع المبادرات من الوزارات والأجهزة الحكومية عموماً، حيث تغير تلك الجهات من أساليب عملها لتحسين الأداء وخفض التكاليف.. وقد يقول قائل: ولماذا نخفض التكاليف في ظل هذه الطفرة المالية غير المسبوقة؟ والجواب أن العمل الجيد بأقل التكاليف هو حسن الإدارة.. وليس التنفيذ بأي ثمن بداعي السرعة والاستعجال، وقد رأينا أمثلة لمباني نفذت بسرعة وبتكاليف باهظة وكشفت الأمطار والسيول رداءة تنفيذها الذي غطي بديكورات وسقوف براقة!
وعودة إلى موضوع المبادرات أقول إن الأفق مفتوح في هذا الوقت لكل المبادرات، وأن القيادة ومراكز القرار العليا ترحب بذلك لمواجهة التحديات التي بالمبادرات يمكن تحويلها إلى خطط عمل ونجاح.. ولنأخذ مثالاً على المبادرات التي يمكن أن تغير أسلوب العمل في مدننا التي تكبر وتنمو عمرانياً وسكانياً، وخير مثال على ذلك مدينة الرياض التي يبلغ عدد سكانها الآن أكثر من ستة ملايين نسمة ومساحتها نحو 100×100 كيلومتر.. ومع ذلك فإن أسلوب النظافة والأرصفة والتشجير وصيانة الحدائق فيها لم يتغير.. وما يقال عن الرياض ينطبق على المدن الكبيرة الأخرى في بلادنا.. ولذا فإن المؤمل من وزارة الشؤون البلدية والقروية، ومن وزيرها المعروف بالمهنية وحب التطوير دراسة مبادرة تغير بها نمط العمل في خدمات المدن لإدخال نقلة نوعية في مستوى النظافة والتناسق العمراني وتنفيذ الأرصفة المحاذية للمنازل في الأحياء، وفق مواصفات تضعها الأمانة وتلزم الجميع بتنفيذها بالمستوى المطلوب.
أما بالنسبة لمستوى النظافة وأسلوب شركاتها فحدث ولا حرج، فحاويات النفايات الكبيرة الثابتة لم يعد لها وجود وحلت محلها براميل خفيفة يلعب بها الهواء، ويقذف بها في وسط الشارع عامل النظافة بأعصاب متوترة لأن مرتبه ضئيل ويتأخر صرفه في معظم الأشهر.
وعن الحدائق العامة يتم افتتاحها اليوم وهي على أحسن حال.. ثم بعد أسبوع فقط تشاهدها في وضع يدعو للأسف على ما أنفق عليها، وكأنه قد مضت عليها مدة طويلة.. وقد يلقي البعض باللائمة على عدم الوعي لدى معظم مرتادي هذه الحدائق، لكن غياب الرقابة هو السبب الرئيس. ولعلاج الظواهر السلبية التي أشرنا إليها أو غيرها في مدننا، لا بد من مبادرة قوية وغير عادية كأن تحول أمانات المدن إلى ما يشبه الشركة القابضة التي تتبع لها شركات للنظافة وللحدائق وللأرصفة، حيث تتنافس هذه الشركات الفرعية في تحسين الأداء، مع تخفيض التكاليف وتنمية الإيرادات بشكل يقوم على نظام اقتصاديات المدن الكبرى المعمول به عالمياً.
وأخيراً: لقد أصبحت مدننا الكبرى مرهقة لمن يعيش فيها، حيث سلمناها خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية لتجار التجزئة الوافدين لممارسة نشاطاتهم حتى في الشوارع الصغيرة داخل الحارات.. وأعطينا للسيارة الأفضلية الأولى، حيث تصل إلى كل مكان في الشارع أو الحارة.. أما الإنسان فعليه أن يتخطى حفر الأرصفة وأشجارها ليصل إلى ما يريد.. ولن يتحسن مستوى تشغيل المدن ونظافتها وتنسيقها وتشجيرها وصيانة حدائقها إلا بمبادرات غير عادية كما أشرنا من قبل.