الأمن الغذائي الخليجي والقطاع الخاص
ستكون مشاريع الأمن الغذائي الخليجي ناقصة بصورة أو بأخرى، إذا كان دور القطاع الخاص فيها ضعيفاً أو مشوشاً أو مصابا بفوضى استثمارية. وهذه الأخيرة يعانيها عديد من المستثمرين الزراعيين الخليجيين منذ سنوات. وتعمل دول مجلس التعاون الخليجي، من أجل تعزيز مثل هذه المشاريع، وإطلاق مشاريع أخرى جديدة، تأخذ في الاعتبار الاحتياجات وارتفاع النمو السكاني، إلى جانب طبعاً إمكانية ارتفاع أسعار الغذاء بين موسم وآخر وبين منطقة وأخرى. والمشاريع المطروحة في الخليج تحاكي المستقبل، أي أنها تستند إلى استراتيجيات بات لا غنى عنها في المنطقة كلها. وتكتسب مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي، الأهمية الأكبر، لأنها أكثر شمولية من غيرها، وتضع دور القطاع الخاص في هذا الاستثمار في المقدمة، بما في ذلك توفير الحماية القانونية والتشريعية له، والتسهيلات اللوجستية على الساحتين المحلية والخارجية. وهذه المبادرة، تعطي دفعاً قوياً للحراك نحو الأمن الغذائي، أو إلى المراحل التي تسبق هذا الأمن.
والتنسيق الذي يجري حالياً مع البنك الإسلامي للتنمية، يدخل ضمن إطار الاستراتيجية الغذائية الشاملة، وإشراك مصارف أخرى في المستقبل، يرفع من وتيرة الأداء الاستثماري هذا. فالغذاء في كل مكان لا يصاب بالركود، وفي حين تتعرض كل القطاعات للانكماش، فإن الغذاء يبقى على حراكه. يضاف إلى ذلك، أنه ليس قطاعاً ريعياً. فعوائده عالية وأرباحه كذلك. ومن هنا، فإن تدعيم دور القطاع الخاص فيه، سيقلل الفجوة الزراعية ــــ الغذائية الراهنة في الخليج. هناك مخططات مطروحة للاستثمار الزراعي في منطقة الخليج وخارجها. وهذه المخططات لا تزال خارج نطاق التنفيذ، خصوصاً أنها لم تضع في سياقها قضية المياه، التي يحاول اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي، أن يضعها في صلب تلك المخططات. فالمسألة خليط بين الزراعة والموارد المائية والثروة السمكية والحيوانية والصناعات الغذائية، واستزراع الطحالب والتخزين والنقل.
وهي تنطبق على الاستثمارات الزراعية في الخليج وفي عدد من الدول المستهدفة التي تمتلك الإمكانات الطبيعية اللازمة لاستيعاب أي خطة زراعية ــــ غذائية خليجية. ولا شك أن التوافق الخليجي في المخططات والاحتياجات، يسهم بسهولة في إيجاد أدوات التنفيذ. المطلوب الآن التنسيق بين دول المجلس من أجل الوصول إلى مستويات مقبولة من الأمن الغذائي، وأن تسهم السياسات الحكومية في هذا المجال، في تمكين المؤسسات والجهات الخاصة التي تستثمر بالفعل زراعياً، وتلك الراغبة في دخول هذا القطاع المحوري. لم يعد الاستثمار الزراعي خياراً، لأن استحقاقات التنمية الشاملة تحتم أن يكون في المقدمة، وأن يسهم عملياً لا نظرياً في تمهيد الطريق إلى أمن غذائي خليجي، ولا سيما بعد فشل كل المحاولات التي جرت على مدى عقود لتحقيق الأمن الغذائي العربي.
ولعل من أهم ما يطرحه المختصون الآن، هو ضرورة التوصل إلى مفهوم موحد للأمن الغذائي. والحقيقة أن هذا الأمر ليس صعباً، إذا ما كانت الأبواب مشرعة في هذا النطاق المهم. وفي الحالة الخليجية، فإن الاستراتيجيات موجودة والأموال متوافرة. وفي منطقة مداخلة كمنطقة الخليج، لا غنى عن تنسيق مباشر لتحقيق كل الأهداف المرجوة على صعيد الاستثمار الزراعي. يمكن في مرحلة لاحقة لهذه المنطقة أن تكون مثالاً عربياً يحتذى على الصعيد الغذائي، خصوصاً إذا تم تطبيق الاستراتيجيات والمخططات المطروحة بصورة متناغمة، بعيدة عن التكرار والتناقض. وكلما كانت الجهات المشتركة أكثر، اختصرت المسافة بين الاحتياجات والاكتفاء. ويصعب تصور مخطط شامل بهذا الحجم والأهمية، دون دور أساسي للقطاع الخاص. وهذا الدور هو الذي سيرفع التوصيف الريعي عن المخطط الغذائي.