استحقاقات الطاقة والبتروكيماويات في الخليج
جاءت كلمة الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية، في افتتاح المنتدى السنوي الثامن للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات ''جيبيكا'' في دبي، واضحة وتحاكي الواقع، سواء على صعيد ما اصطُلح على تسميته ''ثورة النفط الصخري''، أو من جهة قطاع البتروكيماويات في الخليج. لقد أجمعت التحليلات المحايدة (ليست تلك التي تروجها شركات النفط الأمريكية الباحثة عن تمويلات حكومية) على أنه لا تأثير للنفط الصخري الأمريكي في إنتاج منظمة الأقطار المصدرة للبترول ''أوبك''. وقبل يومين، انضمت وكالة ''ستاندرد آند بورز'' العالمية، إلى الجهات المحايدة، لتؤكد أنه لا توجد تأثيرات سريعة لزيادة إنتاج دول أمريكا الشمالية من النفط الصخري والغاز في منتجي النفط والغاز في دول الخليج. بل قالت ''إن التأثيرات تكاد تكون معدومة''. والأسباب باتت معروفة، في مقدمتها ارتفاع تكلفة الإنتاج وارتفاع الطلب على الطاقة عالمياً. فليس هناك حاجة - كما يؤكد الأمير عبد العزيز بن سلمان - إلى خفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار. بل إن ارتفاع حجم الطبقة الوسطى ''بشكل عام''، يتطلب الترحيب بالموارد الجديدة للطاقة.
الأسعار الحالية للنفط الخام جيدة وعادلة. وإذا ما تدنت بصورة غير مقبولة، يمكن اللجوء إلى خفض الإنتاج لإعادة التوازن إلى الأسعار. إنها عملية مشروعة وراسخة في جعل التوازن قائماً، وتوفر الحد المطلوب من العدالة للمصدرين والمستهلكين. ومن أهم ما طرحه الأمير عبد العزيز، ما يتعلق بمستقبل صناعة البتروكيماويات الخليجية، وكان واضحاً وصريحاً، عندما اعتبر أن هذه الصناعة تواجه تحديات مختلفة، وقد حدد هو هذه التحديات، التي تتطلب العمل بمستواها، خصوصاً مع احتدام المنافسة على الساحة العالمية في هذا المجال، وظهور منتجين جدد، قد يغيرون المشهد العام، إذا لم تكن هناك سياسة خليجية تحاكي المستجدات. وإذا ما أضفنا إلى هذا الجانب مسألة ارتفاع حدة الحمائية على الساحة العالمية، فإن وضع الصناعات البتروكيماوية الخليجية سيزداد صعوبة، وربما يتطور إلى مستوى المخاطر. مع ضرورة الإشارة إلى أن المملكة تمكنت بحرفية عالية، من حل كل المشكلات الخاصة بها في هذا السياق مع عديد من الدول، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.
الأمير عبد العزيز بن سلمان، حدد أيضاً تحدياً آخر يتعلق بصغر حجم أسواق منتجات البتروكيماويات المحلية والإقليمية. وهذه النقطة لا تتطلب البحث عن أسواق لهذه المنتجات فحسب، بل تستوجب العثور عن حلول محلية لها، بما في ذلك تطوير وابتكار صناعات محلية مساندة. وهذه الصناعات ستوفر بالضرورة مزيدا من فرص العمل للمواطنين في الدول المعنية في الخليج، ما يعزز مخططات التنمية الشاملة فيها، وهي مخططات استراتيجية وضعت للتنفيذ على مدى العقدين المقبلين. هذا التحدي ربطه الأمير عبد العزيز مباشرة، بمحدودية مساهمة الصناعة المشار إليها في تنويع الاقتصادات الخليجية. والتنويع المتواضع، يوفر فرص عمل متواضعة أيضاً. هناك تحديات كثيرة أمام صناعة البتروكيماويات، وإذا لم تعالج بصورة سريعة لها أبعادها الاستراتيجية، فإنها ستتحول إلى مخاطر سيكون من الصعب القضاء عليها. وحسب الإحصاءات، فإن صناعة البتروكيماويات لا تسهم إلا بـ 1.5 في المائة من قطاع الصناعات التحويلية. وهذه نسبة متواضعة جداً، وستكون بلا قيمة حقيقية إذا ما تمكنت التحديات المشار إليها من الوصول إلى الساحة الصناعية الخليجية.
إن التنمية في منطقة الخليج تستدعي تنويع مصادر الدخل، والوصول باقتصادات المنطقة إلى أفضل شكل من أشكال التنويع. لكن هذا يستوجب بصورة ملحة، مواجهة لا تهدأ لكل المعوقات التي تظهر على الساحة العالمية. فالدول تتحرك حسب مصالحها الوطنية، ولا تتوقف عادة إذا ما أصابت مصالح غيرها بأضرار. المرحلة المقبلة في الخليج تشهد استحقاقات عديدة، في مقدمتها حماية مصالحها وتطوير ثرواتها.