قاعدة بيانات زراعية سعودية .. أكثر من ضرورية

ما تقوم به المملكة حالياً، من إنشاء قاعدة بيانات دقيقة، تهدف إلى حصر وإحصاء الاستثمارات الزراعية السعودية في الخارج، أمر بدهي، وبالتالي ضروري للغاية. فالاستراتيجية الزراعية التي تنفذها كبيرة ومتشعبة، وتعتمد على التنوع، ولا يمكن أن تتحقق أهدافها بمعزل عن معلومات وافية وحقيقية توضع ضمن قاعدة البيانات المزمعة. وهذه المعلومات ستكون أساساً للاستثمارات الزراعية، التي لم تعد محلية، بل تشمل، حسب مبادرة الملك عبد الله الزراعية، 35 بلداً، ولا بد من هذه البيانات، ليس فقط لتحديد أشكال وأحجام الاستثمارات الزراعية، بل أيضاً لتوفير الحماية القانونية والتشريعية من قبل الحكومة السعودية، عبر سلسلة من الاتفاقات التي تعقدها مع الدول المستهدفة زراعياً، فضلاً عن أنها ستسهم في تنسيق زراعي سعودي خارجي لا يتضارب ولا يخضع ناتجه إلى التكرار. والحق أن قاعدة بيانات حكومية كهذه كانت مطلوبة منذ أن بدأ حراك الاستثمار السعودي الزراعي في الخارج.
يؤكد المسؤولون المشرفون على مبادرة الملك عبد الله الزراعية، أن هذه المعلومات لا تزال غائبة، وإن وجدت فإنها ليست دقيقة. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه ستصاب المبادرة المشار إليها بخسائر متنوعة. فضلاً عن استمرار غياب الأدوات اللازمة لحماية هذه الاستثمارات، خصوصاً في بعض الدول التي تشهد اضطرابات، وتلك التي لا تطبق أنظمة قانونية استثمارية ثابتة وواضحة. ولأن المبادرة استراتيجية، وتشمل حراك القطاع الخاص في هذا المجال، فلا يمكن الانطلاق بها من دون التنسيق الكامل لهذا الحراك. وتأطير الجهود الزراعية الشخصية ضمن نطاق مؤسسي يحقق الأهداف بالسلاسة المطلوبة. فهذه الجهود في النهاية تدخل ضمن إطار توفير الأمان الغذائي في المملكة، تمهيداً للوصول إلى الأمن الغذائي. أي أنها تقوم بعمل وطني حقيقي، في سياق هدفها لتحقيق العوائد المالية لاستثماراتها.
إن أمر إنشاء قاعدة بيانات بهذا الصدد ليس سهلاً، خصوصاً أن استثمارات السعوديين تشمل عديداً من البلدان. وتتطلب عملية التأسيس هذه وقتاً. غير أن ذلك لا يؤثر في الواقع في حراك القائمين على مبادرة الملك عبد الله، في إنهاء الاتفاقات اللازمة مع الدول المستهدفة دون عوائق. فقد وصلت المبادرة إلى تحديد البلدان والأماكن المستهدفة للاستثمارات الزراعية السعودية، وتقوم حالياً باستكمال وضع الضوابط والتشريعات اللازمة. فحتى هذه الأخيرة ليست صعبة، إذا ما كانت الأراضي المختارة خصبة من الناحية الزراعية والمرونة التشريعية. دون أن ننسى، أن المبادرة توفر مكاسب جمة للدول المستهدفة، ليس فقط من حيث العوائد المالية، بل أيضاً من جهة تطوير مناطق الزراعة نفسها. وهذه الدول، حريصة على جلب المزيد من الاستثمارات، لأنها تحتاج إليها، بل إنها تدخل في بعض الاقتصادات في صلب عملية التنمية.
إن قاعدة البيانات التي ستصب في مصلحة المبادرة وصندوق التنمية الزراعي السعودي، ستسهل عملية تطبيق الضوابط والقوانين على المستثمرين السعوديين أنفسهم، بما في ذلك ما يحتاجون إليه من تسهيلات ائتمانية ولوجستية، كما أن المستثمرين سينعمون بالاتفاقات التي توصلت إليها السعودية مع الدول المستهدفة في مسألة حماية الاستثمارات، وعدم الازدواج الضريبي، وغيرها من المنغصات التي عادة ما تصيب المستثمرين الذي يقومون باستثمارات شخصية خاصة، بعيداً عن حماية دولهم. الوصول إلى أفضل صيغة في هذا المجال، سيحقق التوازن الغذائي المطلوب في المملكة، وسيوفر المواد الغذائية المختلفة بأسعار مناسبة تحاكي الواقع الاستهلاكي المحلي. وعلى هذا الأساس، من واجب المستثمرين السعوديين التعاون في هذا المجال مع الجهات المختصّة، ليس فقط من أجل المبادرة، بل أيضاً من أجل مستقبل استثماراتهم، التي أدخلتها مبادرة الملك عبد الله ضمن النطاق الوطني الخالص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي