الاضطرابات العربية والمساعدات الخليجية

بشكل عام، لم تؤثر الاضطرابات التي تشهدها بعض الدول العربية حالياً، في اقتصادات دول الخليج العربية. النمو الاقتصادي في هذه الأخيرة مستمر، وإن بشكل متفاوت شهد بعض التباطؤ، ومشاريع التنمية متواصلة بعضها وفق خطط خمسية، وأخرى تمضي حتى عام 2030. وليس هناك مؤشرات، على أي تأثر سلبي في هذا المجال، يُضاف إلى ذلك، أن الدول الخليجية المانحة للدول التي تعاني الاضطرابات بالفعل، تقدم المساعدات والمنح، بعد أن قالت بصورة معلنة، إن هذه المساعدات لن تستمر إلى ما نهاية، وإن هناك ضوابط لها. ربما لا تطبق هذه الضوابط بحذافيرها في الوقت الراهن، لأسباب تتعلّق بالتطورات المتلاحقة والخطيرة في الدول العربية المتلقية لها، وهذا أمر مفهوم، غير أن الاستمرار في هذا الطريق، سيؤثر لاحقاً في اقتصادات الدول الخليجية نفسها. والحقيقة أن أسلوب المنَح غير المحسوبة، التي كانت تتم في العقود الماضية، لم تفد الدول الممنوحة، وشكلت خسارة للدول المانحة.
لا شك في أن السبب الأول المباشر لعدم تأثر الدول الخليجية بالاضطرابات المذكورة، أن ما قدمته حتى الآن من أموال وهبات ومنح ومساعدات، أتى من فوائضها الناجمة عن المداخيل الجيدة للنفط والغاز، وبعض الموارد الأخرى. ورغم أنها فوائض، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، تنحيتها عن صلب التنمية المحلية في الدول المانحة، هي في الواقع أموال تخص المستقبل أكثر من ارتباطها بالحاضر. كما أن من حق الدول التي تملكها استثمارها، بصورة تشكل في النهاية رأسمالا متجددا وقويا ومنتجا. فالمشاريع الجيدة التي تطرح ناتجها في المستقبل، موجودة. والأدوات الاستثمارية على الساحة العالمية باتت متاحة، دون عوائق أو عقبات. بل على العكس، هناك موجة أصبحت متأصلة من التسهيلات، لاستقطاب ما أمكن من الاستثمارات. إذن.. الفوائض ليست أموالا زائدة، ولن تكون.
إن ما تقوم به دول الخليج المانحة (وفي مقدمتها المملكة) على صعيد توفير المساعدات اللازمة للدول العربية في محنتها الراهنة، يندرج ضمن النطاق القومي، الذي تحرص هذه الدول عليه في أوقات الاستقرار، فكيف الحال في زمن المحن والاضطرابات؟ غير أن هذا لا يتعارض مع ربط المساعدات والمنح بآجال محددة، ووفق أطر استثمارية مختلفة: استثمارات مباشرة، سندات، صكوك، وغيرها من الأشكال التي تضمن الأموال المقدمة من ''استهلاك'' لن يترك فيها شيئاً. فالودائع التي تضعها الدول الخليجية في المصارف المركزية للدول المحتاجة، يمكن أن تدخل ضمن هذه الأطر الاستثمارية. والمساعدات مهما كانت سخية، تتحول تدريجياً إلى أوبئة حقيقية في الدول المتلقية لها، عندما تصبح ''اقتصاداً سلبياً''. والدول التي تعتمد على المساعدات بصورة أساسية، لا تتقدم خطوة إلى الأمام. فأي مال ينبغي استثماره بما ينفع المانح والمتلقي.
يرى البعض، أن الاضطرابات التي تشهدها دول عربية أثرت سلباً في اقتصادات الخليج. وإذا ما استثنينا الأضرار التي لحقت بالمستثمرين الخليجيين مباشرة في البلدان المعنية، فإنه لا أثر سلبياً يُذكر. وهذه الأضرار يمكن احتواؤها، وتم حل الكثير من المشكلات الخاصّة في هذا المجال بالفعل. والعلاقة الوطيدة بين الدول المانحة وتلك المتلقية، أسهمت في تسريع الحلول المطلوبة، لأعمال توقفت أو تعرّضت لخسائر أو تواجه جدلاً تشريعياً وقانونياً. ومما لا شك فيه، أن المساعدات الخليجية والمشاريع المرتبطة بها، تسهم أيضاً في إزالة الآثار السلبية الناجمة عن الاضطرابات المذكورة، وحصرها في مناطقها. وفي المحصلة، فإن المساعدات المدروسة والواضحة التي تقوم على أسس واقعية، لن تنال من الاقتصادات الخليجية، بل يمكن أن توفر فرصاً استثمارية تنموية قابلة للاستمرار، طارحة منفعة للطرفين المعنيين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي