العواقب غير المقصودة للقرارات الاقتصادية (2 من 2)

في المقال السابق، تم التطرق إلى عرض وشرح مفهوم العواقب غير المقصودة للقرارات الاقتصادية من حيث إن تصرفات أو قرارات متخذي القرار قد تكون لها آثار غير مأخوذة في الحسبان على مستوى الاقتصاد ككل. هذا قد يكون راجعا إلى عدم تبني دراسات ذات تحليل عميق للمشكلة محل الدراسة، أو الاستمرار في تطبيق السياسات التي تم تبنيها في الماضي وتجاهل بغير قصد المتغيرات الحالية، أو التركيز على النتائج قصيرة المدى وعدم الأخذ في الحسبان أي آثار غير مقصودة على المدى المتوسط.
هناك العديد من الأمثلة التي يمكن سردها، ولكن للإيجاز نتطرق إلى جزء منها في هذا المقال.
قد يكون أحد دواعي اتخاذ قرار رفع تكلفة العمالة الوافدة بإقرار 2400 ريال سنوياً، بواقع 200 ريال شهرياً للمنشآت التي يزيد عدد العمالة الوافدة فيها على العمالة الوطنية، سليمة لمعالجة مشكلة البطالة بين المواطنين ''وبالأخص الشباب والبنات''. ولكن هناك شرائح متعددة من أطياف المجتمع قد تعرضت لتكاليف مباشرة وغير مباشرة من جراء هذا القرار. على سبيل المثال، عندما يذهب المواطن إلى أي مستوصف طبي أو مستشفي ويلاحظ أن تكاليف زيارة الطبيب قد زادت بنسبة 30 إلى 40 في المائة فهذا تأثير مباشر. عندما يقوم متعهد البناء بطلب زيادة مقدارها 30 في المائة لإنهاء بناء المنزل بغض النظر عن أن هناك عقدا بين المواطن والمقاول على التكاليف الكلية لبناء المسكن فهذا تأثير بشكل غير مباشر. من جهة أخرى، نرى أن تأثير هذا القرار قد يكون محدوداً على بعض المتعهدين للمشاريع الحكومية، حيث إن بعضهم تم تعويضهم عن زيادة تكاليف المناقصة الناتجة من زيادة تكلفة العمالة الوافدة.
نعم قد تكون هناك منافع من زيادة تكلفة العمالة الوافدة من خلال دعم صندوق الموارد البشرية، ولكن هناك تكاليف ناتجة من خلال الزيادة في أسعار السلع والخدمات التي يستهلكها المواطن، وبالتالي تخفيض القوة الشرائية بسبب عدم التغير في مستوى الأجور للعاملين في القطاع الخاص. لذا لا يمكن الحكم على فعالية هذا القرار بسبب عدم وجود دراسة منشورة من قبل وزارة العمل عن حجم المنافع والتكاليف من تطبيق هذا القرار على المستهلك والقطاع الخاص.
مثال آخر، أن تكلفة بدء أي مشروع للمستثمر المحلي أعلى من نظيره الأجنبي بسبب أن فروع مراكز الخدمة الشاملة التابعة للهيئة العامة للاستثمار سعت إلى توفير وتسهيل الاستثمار للمستثمر الأجنبي، من خلال تقديم العديد من الخدمات الشاملة في مرحلة قبل الترخيص وبعده. أما المستثمر المحلي فيضطر إلى أخذ جولة على العديد من الجهات الحكومية من أجل استخراج السجلات والتأشيرات اللازمة من أجل البدء في أي مشروع تجاري أو صناعي. إن عدم المساواة في تقديم الخدمات قد يؤدي إلى توفير ميزة نسبية للمستثمر الأجنبي وزيادة تكلفة المشاريع للمستثمر المحلي. لذا من المهم أن تكون هناك وحدة مستقلة لإنهاء إجراءات المستثمر المحلي.
أخيراً، عندما تحاول الحكومة بدعم الطاقة كوسيلة لتقاسم الثروة من الموارد الناضبة وكذلك زيادة رفاه المواطن السعودي، نلاحظ أن الجزء الأعظم من هذا الدعم يذهب إلى التجار والصناع بسبب أنهم يستخدمون الطاقة بشكل أكبر من أجل تشغيل أساطيل النقل والمعدات وتكييف المكاتب. إن استفادة المواطن العادي قد تكون محدودة إذا ما قورنت بحجم الدعم الكلي والذي يمثل في حدود 30 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية ''وفقاً لدراسة صادرة من صندوق النقد الدولي''. إن هذا الدعم الضخم غير مستدام على المدى الطويل، أما الإنفاق الاستثماري الحكومي من خلال الإنفاق على التعليم والصحة وكذلك البنية التحية قد تكون له منافع أكبر للمواطنين من خلال خلق فرص عمل وزيادة في الدخل.
أعود لأقول، إنه لا بد أن تكون هناك دراسات ذات تحليل دقيق من حيث المنافع والتكاليف قبل إصدار أي قرار اقتصادي من المحتمل أن تكون له آثار مباشرة أو غير مباشرة على المواطنين والقطاع الخاص. هذا يستدعي ضرورة التنسيق بين الوزارات ومجلس الشورى من أجل دراسة ومناقشة تبعية القرارات الاقتصادية على الاقتصاد ككل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي