المفهوم الحقيقي لتعميق سوق المال
أختزل سوق المال في سوق الأسهم، فكل من تسأله عن ماهية السوق المالية يقول إنها سوق لشراء وبيع الأسهم، وبذلك يظن الجميع أن هيئة السوق المالية هي جهة مسؤولة عن تطوير وتنظيم إصدار وتداول أسهم الشركات، ولقد أكد هذه المقولة انعدام الطروحات الأولية لأية أوراق مالية بإشراف هيئة السوق المالية وغياب أسواقها الثانوية سوى الأسهم، هذا إذا استثنينا سندات "سابك" والوحدات البنكية لصندوق الاستثمار العقاري التي تطرحها مجموعة سامبا حاليا.
إذا أدركنا أن هيئة السوق المالية تختص بتمويل مجتمع الأعمال بهدف تطوير أعماله والتوسع فيها بالتوجه لمدخرات المواطنين الذين يرغبون هم الآخرين بتنمية تلك المدخرات دون التفرغ للاستثمار المباشر الذي يحتاج منهم إلى الوقت والمعرفة والمهارة، لأدركنا ضرورة قيام الهيئة بهذه المهمة على خير وجه وبأسرع وقت من خلال تفعيل جميع أنواع الأوراق المالية الأخرى خاصة السندات التي يشكل حجمها في الكثير من الدول المتقدمة أكثر من عشرة أضعاف سوق الأسهم.
الكل ينادي بضرورة تعميق سوق الأسهم لتوفير قنوات استثمارية لأصحاب المدخرات من المواطنين وتوفير التمويل اللازم لمجتمع الأعمال ولتعزيز سوق الأسهم بكميات كبيرة من الأسهم بما يجعله عصيا على كبار المضاربين مما يجعلهم لا يتحكمون به كما هو الحال حاليا، ظنا منهم أن سوق الأسهم تعني السوق المالية متناسين بذلك أن سوق السندات أو ما يسمى اليوم في البلاد الإسلامية سوق الصكوك الإسلامية تشكل أكبر قناة استثمارية تتيح لأصحاب المدخرات استثمار مدخراتهم بشكل أكثر أمنا وبعوائد سنوية معيارية وبما يوفر التمويل المناسب اللازم لمجتمع الأعمال لتطوير أعماله والتوسع فيها.
ولأبين لكم ذلك بصورة أكثر وضوحا أقول ماذا فعل من خرج من سوق الأسهم بمبالغ بسيطة ولنقل إنها لا تتعدى المائتي ألف ريال مثلا وهو ليس لديه من الوقت ومن الخبرة ما يمكنه من الاستثمار المباشر، بالتأكيد إنه لا يستطيع الاستثمار المباشر في سوق العقار من خلال المضاربة على الأراضي التي تحتاج إلى مبالغ أكبر، وبالتأكيد بأنه لن يذهب بها حاليا للصناديق الاستثمارية لعدم ثقته بها خاصة أن معظمها خسر نتيجة الهبوط الحاد في سوق الأسهم السعودية والأسهم الخليجية أيضا، إذا ماذا يفعل بها؟ ستبقى راكدة وهذا ذو أثر سلبي على الاقتصاد إذ إن ذلك يعني ركود مليارات الريالات خارج الدورة المالية، أو أنه سيبحث عن فرصة استثمارية أخرى حتى وإن كانت خارج النظام مما يتيح الفرصة للمتلاعبين من ناحية ويعرضها للخطر من ناحية أخرى.
ما الحل إذا؟ الحل يتمثل بتنشيط سوق الأوراق المالية كاملا والذي يشكل سوق السندات منه الجزء الأكبر، ولنبدأ بإصدار السندات الأكثر أمانا وهي تلك المدعومة بالرهن العقاري على سبيل المثال والتي ستوفر تمويلا كبيرا للقطاعات الاقتصادية كافة من ناحية كما تتيح الفرصة لأصحاب المدخرات لتنمية مدخراتهم بما يعود على الاقتصاد الوطني بالمنفعة بشكل يعود على جميع أفراد المجتمع بالفائدة سواء من خلال توسيع فرص العمل أو من خلال توفير منتجات وخدمات ذات جودة عالية وأسعار مناسبة بفضل رفع وتيرة المنافسة بين الشركات.
نعم علينا أن نعزز دور السندات في توفير الأموال اللازمة لمجتمع الأعمال خاصة ونحن نعيش اليوم طفرة اقتصادية كبيرة نتيجة السيولة المتاحة من ناحية ونتيجة لارتقاء الفكر والسلوك الاقتصادي لدى مجتمع الأعمال السعودي من ناحية أخرى، ولدينا الكثير من القطاعات التي تحتاج إلى استثمارات بمليارات الريالات لتغطية الطلب المتزايد كما هو الحال في القطاع الإسكاني حيث تأمل الحكومة في سيادة التطوير المؤسساتي ذي الآثار الإيجابية على حساب التطوير الإفرادي ذي الآثار السلبية، إلا أن الشركات العقارية المطورة تحجم عن الاستثمار في هذا النوع من التطوير نتيجة لعدم تمكنها من توفير التمويل اللازم لتطوير مشاريعها ولعدم توفير التمويل اللازم للعملاء المستهدفين لشراء تلك المنتجات بضمان دخولهم الشهرية، وكلنا يعلم أن إصدار وتداول السندات ذا أثر كبير في استكمال الدورات التمويلية بما يعزز إمكانية الشركات العقارية المطورة لاغتنام تلك الفرص التي قد تتحول إلى أزمة رغم توافر السيولة الكبيرة في البلاد.
ختاما أرجو ألا ينطبق علينا المثل القائل "تموت العيس ظماء والماء على ظهورها محمول" حيث لدينا السيولة الكبيرة ولدينا من يرغب بتنمية مدخراته ولدينا من لديه القدرة على ذلك ولدينا من هو مستعد للشراء من خلال الوسائل الائتمانية المتعارف عليها عالميا، ولكننا نفتقد الهيكلة التي تربط هذه الأطراف بطريقة تحقق مصالحهم جميعا بما يحقق مصلحة الوطن والمجتمع، فهل نرى هيئة السوق المالية تحث الخطى لتفعيل دور السندات في تعميق السوق المالية؟ هذا ما نحن على ثقة به إن شاء الله.