التمويل العقاري ليس الحل البديل لمشكلة الإسكان
أوضح محمد عبد العزيز الشايع، مدير عام مراقبة شركات التمويل بمؤسسة النقد العربي السعودي، في محاضرة بعنوان: ''أنظمة التمويل وتطوير آليات السوق'' التي نظمتها لجنة الاستثمار والأوراق المالية في غرفة الرياض، بالتعاون مع مؤسسة النقد والمصارف السعودية بتاريخ 25 أيار (مايو) 2013، أن أنظمة التمويل الأخيرة ولوائحها التنفيذية الصادرة عن المؤسسة ''نظام التمويل العقاري، ونظام الإيجار التمويلي ونظام مراقبة شركات التمويل''، لا يجب النظر إليها والتعامل معها على أنها العصاة السحرية التي ستحل مشكلة الإسكان في السعودية، ولكن رغم ذلك فهي تعد من بين إحدى الأدوات العديدة التي وفرتها الدولة لحل تلك المشكلة والتعامل معها.
توضيح الشايع سالف الذكر عن أنظمة التمويل جاء رداً على سؤال ورد من أحد الحاضرين بالمحاضرة حول عدم السماح لشركات التمويل العقاري، بتمويل ما يزيد على 70 في المائة من قيمة المسكن محل العقد، وامتعاضه أن مثل هذا المنع سيحد من قدرة شركات التمويل على التوسع في منح التمويل العقاري، باعتبار أن مثل هذا المنع لن يمكن شريحة كبيرة من المواطنين الاستفادة من النظام، ولا سيما أن نسبة المساهمة في قيمة العقار المطلوب توفيرها التي هي في حدود 30 في المائة من قبل المتمول، تعد نسبة مرتفعة للغاية، يصعب توفيرها من قبل معظم المواطنين وبالذات من ذوي طبقة الدخول المتوسطة وما دونها.
لعله من المهم جداً توضيح الفلسفة التي اعتمد عليها المشرع في تحديد سقف أعلى لمنح الائتمان العقاري بأي صيغة تمويل بما لا يزيد على 70 في المائة من قيمة المسكن محل العقد، التي استندت إلى عدة اعتبارات من بينها، تشجيع المواطنين على الادخار والاستثمار في الأصول والممتلكات المنتجة والمعمرة والتقليل بقدر الإمكان من الإنفاق الاستهلاكي، ولا سيما في مجتمع مثل المجتمع السعودي الذي يغلب عليه الطابع الاستهلاكي والضعف الواضح في الجانب الاستثماري والادخاري. من بين الأسباب أيضاً التي دعت بمؤسسة النقد تحديد نسبة مساهمة المقترض لتمويل مسكن بـ 30 في المائة، رغبة منها في عدم الاندفاع والتوسع المفاجئ وغير المدروس في التمويل العقاري، ولا سيما في سوق عقارية ناشئة مثل السوق السعودية، ما سيقلل من احتمالات حدوث اضطرابات وأزمات مالية وائتمانية مفاجئة ومباغته مثل تلك التي حدثت في سوق العقار الأمريكية في منتصف عام 2008، نتيجة التوسع غير المدروس والمبالغ فيه في منح قروض الرهن العقاري، دون النظر إلى عواقب ذلك التوسع، الذي تسبب في حدوث الأزمة المالية العالمية، وإشهار عدد من المؤسسات المالية لإفلاسها، نتيجة- وكما أشرت- للتوسع في منح القروض العقارية، التي كان بعضها يمنح بنوعية ائتمان إما رديئة أو منخفضة Subprime Loans.
أما بالنسبة إلى الاعتقاد السائد بين الناس فأن أنظمة التمويل الجديدة، وبالذات نظام التمويل العقاري ونظام الرهن العقار المسجل، سيتحقق بواسطتهما القضاء على مشكلة الإسكان ومحدودية وفرة المساكن للسعوديين، فإن هذا الاعتقاد خاطئ ويجب تصحيحه، باعتبار أن تلك الأنظمة تم تشريعها لتسهم في حل مشكلة الإسكان ولكن ليس بمفردها وبمعزل عن عدد من المبادرات والحلول التي شرعت الدولة لاعتمادها أخيراً، مثل تخصيص مبلغ 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية خلال خمس سنوات، والرفع من قيمة القرض العقاري الممنوح للمواطنين من قبل صندوق التنمية العقارية من 300 إلى 500 ألف ريال، إضافة إلى تحويل مسؤولية أراضي المنح من وزارة البلديات والشؤون القروية إلى وزارة الإسكان لإعادة تخطيطها وتجهيزها بالبنية التحتية والفوقية ومن ثم منحها للمواطنين ومنحهم قروضا لبناء المساكن وفقاً لشروط الاستحقاق ''أرض وقرض''.
إن مشكلة الإسكان في المملكة لا يمكن اختزالها والتقليل من حجمها ورهن حلها بنظام تمويل واحد، باعتبارها مشكلة تنموية واجتماعية متجذرة وضخمة تفاقم حجمها عبر الوقت بسبب غياب الحلول الشافية من جهة ووجود خلل واضح في ثقافة امتلاك المسكن بين السعوديين، التي لا تركز على القدرة على التمكين Affordability بقدر تركيزها على المساحات الواسعة واستقلالية المسكن كوحدات منفصلة وليس كمجمعات سكنية، ما يتسبب في ارتفاع تكاليف البناء، ولا سيما في ظل الارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي المخصصة للبناء، التي تشكل تكاليفها نحو 60 في المائة من قيمة إجمالي تكاليف المسكن.
خلاصة القول، إن أنظمة التمويل الجديدة التي من بينها نظام التمويل العقاري ولائحته التنفيذية التي صدرت أخيراً عن مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، وأيضاً نظام الرهن العقاري المسجل، جميعها وجدت لتعمل على تنظيم قطاع التمويل بشكل عام وقطاع التمويل العقاري بشكل خاص، بما في ذلك توفير الحماية القانونية والتشريعية الكافية لحقوق المتعاملين بالسوق، وذلك من خلال توفير قدرٍ عال من الشفافية المتمثلة في نشر المعلومات المتعلقة بنشاطات التمويل المختلفة، التي من بينها نظام التمويل العقاري الإسكاني المدعوم.
من هذا المنطلق فإن تلك الأنظمة لا يفترض أن يعول عليها كثيراً في حل مشكلة الإسكان والمساكن في السعودية، باعتبارها تندرج ضمن منظومة من المبادرات والحلول الناجعة التي اعتمدتها الحكومة السعودية أخيراً للتغلب على مشكلة الإسكان في المملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ يحفظه الله ـــ بتخصيص مبلغ 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية خلال خمس سنوات.