15 حالة إيدز

قرأت قصة دخول أحد الفتيان إلى دار الرعاية الاجتماعية في الدمام. روت الأم القصة، أكدت أنها عانت الأمرَّين من سلوك ابنها ومخالفاته ورفقته السيئة، لم تتقبل الأم أن يكون ابنها في تلك الدار في البداية، بعيداً عن ناظريها، يتأثر بسلوكيات فتيان أكبر منه سناً، وأسوأ سلوكاً وتربية. لكنها استمرت في متابعة ابنها مع الإدارة، وحاولت أن تتعرف على كل جزئية في حياته، وكيف يقضي وقته وبمن يحتك ومع من يتعامل. ما هي الرياضات التي يمارسها، وكيف أداؤه في دراسته. بمعنى أنها لم تترك ابنها ضحية للوضع القائم ومجموعة الأشخاص الذين حوله.
تأكدت الأم أن ابنها يتلقى أفضل تعليم، ويؤدي الصلوات في أوقاتها بمصلى الدار، وأنه كان يشجع من قبل مراقبي الدار على حفظ أجزاء من القرآن الكريم ويمارس الرياضة ويحصل على دورات معتمدة ويعاد تأهيله بشكل جذري. كل هذا جعل الأم تحمد الله على أن ولدها وقع في الخطأ وحصل على هذه الفرصة ليتعلم ويتغير ويعود عضواً فاعلاً في مجتمعه.
قصة وردية تمنيت لو أن كل قصص دور التأهيل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية تشبهها، لو طالبت الوزارة كل دار بأن تحقق إنجازات حقيقية في مجال إعادة تأهيل الأحداث الذين يرسلون إليها على أمل أن يتم إصلاحهم وتهذيبهم وإعادتهم أعضاء منتجين في مجتمعاتهم، وهو هدف الدور الأساسي، لتحققت آمال الدولة وخططها التي من أجلها تنفق مبالغ طائلة على المنشآت والموظفين والبرامج.
الغريب أن الدور التي يبلغ عددها 17 داراً تستقبل الأحداث الذين يقعون ضحايا لظروف اجتماعية ونفسية وأسرية، ويتم الحكم عليهم شرعاً في قضايا مختلفة في الموقع نفسه، وبعضها مستأجر لا تتوافر فيها أبسط احتياجات إعادة التأهيل. هذا الترتيب الغريب يؤدي في الكثير من الأحيان إلى تأثر ذوي المخالفات البسيطة كالسرقة والمشاجرات مع أشخاص من ذوي قضايا خطيرة مثل المخدرات والاعتداء المسلح، ولهذا أثر على ذوي المخالفات الأصغر ويساهم في انحرافهم نحو أعمال أكثر خطورة.
يأتي في السياق نفسه احتكاك صغار السن بمن يكبرونهم بأربع أو خمس سنوات بشكل مباشر. المعلوم أن سن المراهقة هو أخطر مراحل الحياة، وفيه يتكون الكثير من القناعات، ومحاولات تجربة الأشياء الجديدة والأكثر خطورة، من هنا تأتي إشكالية جمع أشخاص من مراحل عمرية مختلفة بعضهم لا يمكن أن يحتك بالآخر في الحياة العادية.
يساهم هذا الاحتكاك في محاولة الصغار أن يتبنوا سلوكيات الأكبر منهم سناً، بل إن بعض كبار السن يفتخرون أمام الصغار بمخالفاتهم من خلال تضخيمها وإعطائها حجماً وشكلاً غير حقيقي. هذا يوجد بيئة تنشأ فيها الأفكار الشيطانية والتخطيط لأعمال السوء. يمكن أن نلاحظ هنا أن التمرد على المجتمع والإحساس بالرفض يصبح أكثر سيطرة عندما يتعامل الصغار مع أشخاص أكبر سناً مصيرهم السجن بعد الخروج من دار التوجيه.
أذكر أن أحد جيراننا كان يرأس داراً للملاحظة الاجتماعية في محافظة الطائف في زمن مضى. كان الرجل يتحدث عن الدار بحماس دائم، ويفخر بأشخاص كانوا في الدار وتمكنت الدار من تحويل سلوكهم وإعادتهم للإنتاج والمساهمة في خدمة المجتمع. كنا نستغرب أن يخرج من تلك الدور أشخاص أسوياء، لكنه كان واقع، وهو واقع في كثير من الدور التي تهتم بتطبيق المبادئ العلمية في إدارة وتنظيم الحياة داخلها.
آلمني الخبر الذي قرأته منذ أيام في الصحافة المحلية، بل إن الخبر كان صادماً للكثير من القراء. حيث ذكر ثلاثة أشخاص ممن خرجوا من دار الملاحظة الاجتماعية في أبها أنه توجد 15 حالة إيدز داخل الدار، شارك في نقلها ثلاثة أشخاص ممن كانوا ضمن نزلاء الدار. فكيف يمكن أن يحدث أمر كهذا، وكيف يسمح باحتكاك من هذا النوع بين نزلاء الدار. وأين مسؤولو الدار عن الوضع داخلها والعلاقات بين نزلائها!
أين برامج التوجيه والتوعية والتدريب، أين كاميرات المراقبة والمتابعة اليومية للنزلاء، وأين تعليمات الحماية التي تعمل على أساسها هذه الدور! لا بد أن تكون هناك علامات دالة على وجود سلوك غير سوي داخل الدار لماذا لم تكتشفها الإدارة أو المراقبون أو الإخصائيون الاجتماعيون والنفسيون. أين أداء الأمانة التي تبرأت منها السماوات والأرض وحملها الإنسان.
الغريب أن أحد المتحدثين الرسميين أفاد بأنه ليس لدى إدارته علم بهذه الحالات، وهو العذر الذي يسوء كل من يتوقع من هذه الدور تحويلاً إيجابياً في سلوكيات النزلاء، وحمايتهم. فليس من المنطقي ألا يكون هناك ملف طبي لكل حدث في الدار، وليس معقولاً ألا تجرى فحوص طبية دورية لهم بحكم وجودهم في مكان واحد يسهل كل هذه الأمور.
قبل شهور حدث ما حدث في دار الأيتام في جازان، عندما طُرد صحافي كان يتفاعل مع الأطفال، ويحاول أن ينقل معاناتهم عندما اتهمته إدارة الدار بأمور مسيئة لشخصه وتشويه الشخص والنشاط الذي يقوم به. نتج عن ذلك معاقبة بعض صغار الموظفين، لكن يبدو أن التنظيم الذي أوجد هؤلاء ما زال مسيطراً على الوضع في منشآت الرعاية الاجتماعية.
أذكر أن الكثير كتب عما حصل العام الماضي في مراكز تأهيل المعوقين عندما اكتشف الجميع أن المخالفات تمارس في أغلب تلك المنشآت، الفرق الوحيد هو أن هناك من صوَّر الوضع وأوصل الصورة للإعلام، وبقيت معاناة آخرين تحت ستار التغطية والتعتيم الإعلامي. إن لم تقم الوزارة بالتعاون مع الصحافة وتسمح لمراسليها بزيارة أي دار يرغبونها وفي أي وقت فهي الخاسرة، خصوصاً أنه يبدو أن هناك إشكالية حقيقية في أنظمة الرقابة على هذه المنشآت والعاملين فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي