الاحتياطيات الأجنبية..أرقام قياسية لا يمكن تجاهلها
أظهرت آخر الإحصاءات الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' أن إجمالي الأصول الاحتياطية بلغ ٢.٥٢ تريليون ريال بنهاية آذار (مارس) 2013 هذه الاحتياطيات الأجنبية تشمل الاستثمارات في أوراق مالية وودائع في الخارج، احتياطيات المملكة في صندوق النقد الدولي، حقوق السحب الخاصة ''وهي عبارة عن سلة من أربع عملات دولية يتم تداولها بين أعضاء صندوق النقد الدولي''، وأخيرا الذهب. فخلال السنوات العشر الماضية ''2002 ـــ 2012''، تضاعفت الأصول الاحتياطية لـ ''ساما'' 1250 في المائة من 198 مليار ريال إلى 2.48 تريليون ريال. ولكن ماذا تعني هذه الإحصاءات الضخمة للأصول الاحتياطية من ناحية اقتصادية وما فائدتها للمواطنين؟
في البداية، عندما نعقد مقارنة بسيطة بمتوسط نصيب الفرد من الأصول الاحتياطية يتبين أن المملكة العربية السعودية تحتل المركز الرابع على مستوى دول العالم. فقد بلغ نصيب الفرد من هذه الاحتياطيات نحو 88 ألف ريال في نهاية عام ٢٠١٢ ''مقارنة بـ 3600 ريال في نهاية 2002''، الذي يضعها في مركز متقدم على دول أخرى مثل قطر، وليبيا، والدنمارك، والنرويج، والكويت. هنا لا بد من الإشارة إلى أن الأصول الاحتياطية هي فقط للبنوك المركزية في كل دولة، ولا تشمل الأصول السيادية الأخرى التابعة للدولة مثل الصناديق السيادية أو صناديق معاشات التقاعد التي لا يتواجد بيانات كافية لإجراء تحليل شامل ودقيق لها.
بشكل عام، تلعب هذه الاحتياطيات الأجنبية دورا حاسما في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الضغوط الخارجية على سعر صرف العملة المحلية المقومة بسعر ثابت مقابل الدولار الأمريكي وكذلك لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات في حالة استيراد السلع والخدمات من الخارج. أيضاً هناك عوامل أخرى تجعل بعض الدول تفضل الاحتفاظ بمعدل عال من الاحتياطيات الأجنبية مثل التأمين الذاتي ''تقليل الحاجة إلى الاقتراض من الأسواق المالية أو المنظمات الدولية''، وكذلك تحسين القوة المالية للدولة وبالتالي تصنيفها الائتماني. الأهم من ذلك ونظراً لاعتماد الاقتصاد الوطني على مصدر وحيد للدخل (95 في المائة من الإيرادات الحكومية مصدرها النفط)، لا بد من وجود احتياطيات كافية لتأمين الموارد المالية اللازمة في حالة انخفاض الإيرادات النفطية التي قد تحدث نتيجة لانخفاض الأسعار العالمية للنفط. في المقابل وكما نعلم أن الطريق ليس دائماً مفروشا بالورد. بلا استثناء كلما زاد حجم الاحتياطيات الأجنبية كانت هناك تكاليف وبعض المخاطر في إدارة هذه الاحتياطيات. من ضمنها، تكاليف الفرصة البديلة بين استثمار هذه الثروة في أوراق مالية في الخارج أو استثمارها في الداخل في تحسين البنية التحتية وتوفير فرص وظيفية بشرط عدم حدوث أي ضغوط تضخمية في الاقتصاد المحلي أو كما يعرف بالمرض الهولندي Dutch Disease، وتكلفة الترحيل cost of carry بين العائد على الأوراق المالية والودائع المستثمرة في الخارج وتكلفة أذونات الخزانة الصادرة من ''ساما'' لإدارة مستوى السيولة في القطاع المالي أو ودائع الحكومة لدى ''ساما''، وأخيرا المخاطر المحتملة للاستثمار في الخارج سواء كان في أوراق مالية أو ودائع في مصارف أجنبية.
كل هذه الفوائد والتكاليف والمخاطر المحتملة تجعل لهذه الإحصائية التي تصدر بشكل شهري من ''ساما'' خاصية مميزة ليس فقط للمهتمين بالشأن الاقتصادي ولكن لكل مواطن ومواطنة لأن هذه الأصول الأجنبية تمثل ثروة الوطن للأجيال الحالية والقادمة. هذه الاحتياطيات الأجنبية ما هي إلا الوجه الآخر للنفط. حيث تقوم الدولة من خلال استخراج النفط من باطن الأرض ''و للأجيال المقبلة قسط منه'' إلى تحويل الاحتياطي النفطي إلى احتياطي نقدي، تنفق جزءا منه على الميزانية العامة للدولة والباقي يستثمر في الخارج. فكما أن هناك اهتماما عاما بمدى استدامة النفط على المدى الطويل بسبب أن النفط سلعة ناضبة وغير متجددة، فإن الاهتمام بتعظيم العائد المتوقع وتقليل التكاليف على الاحتياطيات الأجنبية ذو أهمية كبيرة من ناحية تحديد مستوى الرفاه الاقتصادي للمواطن على المدى البعيد. وللحديث بقية عن مكونات الاحتياطيات الأجنبية وبعض تجارب الدول في تعظيم العائد على هذه الاحتياطيات.