استمعوا لصوت التغيير

أظن أن المملكة أصبحت في السنوات الثلاث الأخيرة واحدة من أكثر البلدان عرضة للتغيير الثقافي والاجتماعي. ثلاثة عوامل تقود هذا التحول: أولها هو ارتفاع نسبة الشباب (أكثر من نصف السعوديين دون 30 عاما). وثانيها التوسع الهائل لوسائل الاتصال ومصادر المعلومات. وثالثها التوسع المنتظم للطبقة الوسطى التي ينتمي إليها الآن معظم السعوديين.
أود أولا تلافي الخلط الشائع بين تعريف ذوي الدخل المتوسط وتعريف الطبقة الوسطى. فالأول مضمونه اقتصادي بحت، يتعلق بمستوى المعيشة. أما "الطبقة الوسطى" فهو وصف سوسيولوجي لتلك الشريحة التي تجاوزت حد الكفاف، وأصبح بوسع المنتمي إليها تخصيص بعض وقته لنشاطات لا تتعلق مباشرة بتدبير المعيشة، مثل النشاطات الثقافية والترفيهية والمشاركات الاجتماعية ... إلخ.
تلك العوامل الثلاثة تقود – كما رأى علماء الاجتماع - إلى تسريع الحراك الاجتماعي وزيادة نطاق التبادلات الثقافية، أي خلق خيارات وتطلعات ومطالب ومصالح جديدة.
طبقا لرأي المفكر المعروف الدكتور حازم الببلاوي، فإن الميل للتمرد والمنازعة سمة راسخة في مجتمع الشباب، لأنهم أوسع خيالا وأكثر إقداما وانجذابا للتطلعات المستقبلية. أما الطبقة الوسطى فالقلق هو أبرز سماتها. الطبقات الدنيا مشغولة بهموم المعيشة وضرورات البقاء، والطبقة العليا مستريحة إلى إنجازاتها ومكاسبها. أما الطبقة الوسطى فتتحرك همومها بين الاثنين. القلق من مصير الأدنى والتطلع لمكاسب الأعلى يجعلها في حال تدافع دائم، يعزز حركيتها ورغبتها في ابتكار الأفكار الجديدة والخيارات غير المألوفة.
أما التوسع في مصادر المعلومات والاتصال، ولا سيما الإنترنت، فهو يقود إلى تغيير مصادر وأنماط المعرفة، وتبلور وعي جديد بالذات والعالم. طبقا للأرقام المتوافرة، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة قد تجاوز 15 مليونا نهاية العام الماضي. هذا يعني أن الأغلبية الساحقة من الشبان السعوديين يستعملون الإنترنت. ما عاد هؤلاء الشبان يتلقون معارفهم ومواقفهم من معلم المدرسة أو شيخ المسجد. وما عادت علاقاتهم محصورة في الجيران وزملاء الدراسة. فتح الإنترنت عالما واسعا أمامهم، يكشف لهم كل يوم عن عوالم جديدة، يمثل كل منها تحديا للأعراف والتقاليد والثقافة الاجتماعية السائدة.
قد نخدع أنفسنا بمثل القول إن مجتمعنا ما زال - كما عهدناه قبل عقدين - معتزا بموروثاته، متمسكا بأعرافه وتقاليده. هذا وهم يشبه توهم أن الشاب الذي تعلّم في الجامعة، سيبقى مثل زميله الذي بقي في مزرعة أبيه وسط الريف.
العالم يتغير من حولنا، ومجتمعنا يتغير بسرعة وعمق في داخله. النخبة والدولة بحاجة إلى الإصغاء إلى أصوات التغيير، بحاجة إلى إدراك عمق التحولات الثقافية والاجتماعية الجارية فعليا، اتجاهاتها ومخرجاتها. فلا عذر لمن ادعى اليوم أنه فوجئ. ليست في الأمر أي مفاجأة. استمعوا لأصوات الناس المختلفة وغير المألوفة، وستدركون حقيقة ما يدور وما ستأتي به الأيام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي