استقرار السياسة النقدية وتأثيره في الأداء المالي للمصارف

كشف تقرير التطورات الاقتصادية الأخير الصادر عن الإدارة العامة للأبحاث الاقتصادية والإحصاء في مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' في شباط (فبراير) 2013، أن استمرار انتهاج مؤسسة النقد خلال الربع الرابع من العام الماضي سياسة نقدية، استهدفت تحقيق الاستقرار المالي واستقرار الأسعار، أسهم بشكل كبير في استقرار أداء القطاع المصرفي المحلي، وفي تحقيقه معدلات نمو إيجابية في جميع الاتجاهات، نظراً لما وفرته تلك السياسة من مستويات سيولة جيدة في النظام النقدي، انعكست بدورها بشكل إيجابي على الأداء المالي للقطاع المصرفي.
نتيجة لاستمرار اتباع مؤسسة النقد سياسة نقدية، عَمدت إلى تحقيق الاستقرار المالي واستقرار الأسعار، بلغ المتوسط اليومي لعمليات اتفاقيات إعادة الشراء 33 مليون ريال خلال الربع الرابع من العام الماضي مقابل 518 مليون ريال في الربع السابق، في حين بلغ متوسط اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس اليومي للفترة نفسها 91,7 مليون ريال، مقارنة بمتوسط يومي بلغ 67,4 مليون ريال في الربع السابق.
وفرة السيولة لدى القطاع المصرفي المحلي والتحسن الذي طرأ على نسبة الكتلة النقدية (عرض النقود)، التي بلغت 13,9 في المائة بنهاية العام الماضي، مكن المصارف التجارية العاملة في المملكة، من التوسع في النشاط الائتماني والاستثماري، حيث ارتفع إجمالي مطلوبات المصارف التجارية من القطاعين الخاص والحكومي (ائتمان مصرفي واستثمارات) خلال الربع من العام الماضي بنسبة 3,4 في المائة (39,7 مليار ريال) ليبلغ 1222,6 مليار ريال، ممثلاً بذلك قرابة 71 في المائة من إجمالي موجودات القطاع المصرفي في نهاية الربع ذاته مقارنة بنسبة ارتفاع بلغت نحو 1,6 في المائة (18,2 مليار ريال) في الربع السابق.
التحسن العام الذي طرأ على مستويات السيولة في النظام النقدي، انعكس بشكل ايجابي على حجم الودائع المصرفية، حيث سجل إجمالي الودائع المصرفية خلال الربع الرابع من العام الماضي ارتفاعاً بلغت نسبته 6,8 في المائة (80,7 مليار ريال) لتبلغ قيمتها نحو 1260,6 مليار ريال، مقارنة بارتفاع بلغت نسبته نحو 1,7 في المائة (19,3 مليار ريال) خلال الربع السابق.
وما أسهم أيضاً في توسع المصارف التجارية العاملة في المملكة، في النشاط الائتماني والاستثماري على المستوى المحلي، تسجيل إجمالي الأصول الأجنبية في المصارف خلال الربع الرابع من عام 2012 انخفاضاً بلغت نسبته 7,3 في المائة (16,7 مليار ريال) مقارنة بالربع السابق، ما يعنى توجه تركيز استثمارات المصارف محلياً على حساب الاستثمار الخارجي، الذي بدوره أسهم في ارتفاع الائتمان المصرفي المحلي الممنوح للمؤسسات والشركات العامة والخاصة، بما في ذلك قطاع الأفراد على مستوى المملكة.
استقرار مستويات السيولة في النظام النقدي بالشكل الذي حقق الاستقرار المالي، انعكس في قدرة المصارف على تعزيز قاعدة رأس المال أو ما يعرف مصطلحاً بحساب رأس المال (رأس المال + الاحتياطيات + الأرباح)، حيث بلغت قيمة حساب رأس المال بنهاية الربع الأخير من العام الماضي 234 مليار ريال، مسجلة بذلك نسبة ارتفاع بلغت قرابة 10 في المائة مقارنة بنهاية الربع السابق، ما مكن المصارف من التوسع في النشاط المصرفي والائتماني، بما في ذلك التوسع في شبكة الفروع ومنافذ البيع المساندة للفروع، مثال أجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع، التي شهدت ارتفاعاً لا بأس به بنهاية الربع الرابع من العام الماضي مقارنة بالربع السابق، حيث، على سبيل المثال، ارتفع عدد أجهزة الصرف الآلي للمصارف بنسبة 8 في المائة مقارنة بما كانت عليه في الربع السابق، ليصل عددها إلى 12712 جهازاً، في حين بلغ عدد بطاقات الصراف الآلي المصدرة بنهاية الربع الرابع من العام الماضي 16,4 ألف بطاقة.
خلاصة القول، إن استمرار انتهاج مؤسسة النقد العربي السعودي لسياسة نقدية متوازنة ومرنة، استهدفت تحقيق الاستقرار المالي واستقرار الأسعار، بما في ذلك أسعار الصرف، أسهمت بشكل كبير في المحافظة على مستويات سيولة جيدة في النظام النقدي، ما مكن المصارف من الاستمرار في التوسع في أنشطتها المصرفية المختلفة، وبالذات في النشاط الائتماني والاستثماري، الذي شهد ارتفاعاً معقولاً في نهاية الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بالربع السابق. كما أن توافر السيولة لدى القطاع المصرفي، مكن المصارف من الاستمرار في دعم قاعدة رأس المال، بما في ذلك التوسع في شبكة الفروع ومنافذ البيع المساندة كأجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع.
رغم هذه السياسة النقدية المتزنة والمرنة، التي تنتهجها مؤسسة النقد، والتي بدورها أسهمت في تحقيق مقاصد وأهداف التنمية المستدامة والشاملة في المملكة، إلا أن البعض لا يزال يصفها بالمتحفظة وغير المرنة، وليكن الأمر كذلك طالما أنها لم تحدث إضراراً بالمسيرة التنموية للمملكة، وعملت على توفير مستويات سيولة معقولة في النظام النقدي (بأقل مستوى من الضغوط التضخمية)، مكنت المصارف من القيام بدورها التنموي المنوط بها على الوجه المطلوب، إضافة إلى أنها جنبت القطاع المصرفي السعودي الانكشاف على عديد من الأزمات المالية التي حلت بالاقتصاد العالمي، التي لعل من بين أشهرها وأبرزها الأزمة المالية العالمية التي حلت بالعالم في منتصف عام 2008.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي