جديد الشرق الأوسط الجديد
لقد احتل مصطلح "الشرق الأوسط" الجيوسياسي أدبيات الخطاب السياسي والإعلامي بشكل لافت ومكثف بعد هزيمة العرب عام 1967 وخصوصاً مع صدور قرار الأمم المتحدة 242 الذي استهدف حل النزاع بين العرب وإسرائيل وزرع فيه اللغم من خلال نزع "أل" التعريف من نص القرار المطالب بانسحاب إسرائيل من "أراض عربية" إلى حدود 4 يونيو 1967 بدلاً من النص على "الأراضي العربية" فتسبب حذف "أل التعريف" في تملص إسرائيل من الانسحاب من كل تلك الأراضي العربية والمماحكة في الانسحاب عن "أراض" فقط وليس "الأراضي" .. كما ترافق مع هذا القرار التحول في الحديث من مسمى حل القضية العربية لحل "مشكلة الشرق الأوسط" في قصد خبيث لفك الارتباط بين العرب وحقهم التاريخي في أرضهم وتمييعه في مصطلح "الشرق الأوسط" الذي نجح في أن يسود في الاستخدام في كل وسائل الإعلام والفعاليات السياسية والإعلامية والثقافية.
مع مؤتمر مدريد ومع بوش الأب واتفاقية كامب ديفيد والمصالحة التاريخية بين ياسر عرفات وإسحاق رابين أخذ مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" يحفر مجراه عن إحلال السلام بين العرب وإسرائيل، ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تعميقا لمجرى هذا الشرق الأوسط الجديد برؤية اليمين الجديد في إدارة الرئيس بوش الابن وفق استراتيجية الفوضى الخلاقة لفرض الديمقراطية فيه ومعزوفة حقوق الإنسان تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، وبعدئذ، حين قام حزب الله اللبناني بمغامرته عام 2006 وشنت فيها إسرائيل حربها على لبنان .. وفي أثنائها راحت وزيرة الخارجية الأسبق كوندوليزا رايس تمعن في الحديث عن شرق أوسط جديد سيولد عقب هذه الحرب.
ومع مجيء الرئيس باراك أوباما وتفجر أحداث الربيع العربي، بدا أن مصطلح الشرق الأوسط الجديد السابق قد فقد نسخته الأمريكية البريطانية الإسرائيلية وصار الشرق الأوسط جديداً على نحو لم يكن حتى في حسبان أولئك الساسة الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين على وجه التحديد .. وهو جديد من حيث نوع اللاعبين الجدد على مسرح أحداثه ونوع الصياغة الديمقراطية التي جاءت من داخل هذا الشرق الأوسط وليست من خارجه، ما جعل مصطلح الشرق الأوسط الجديد السابق ينسحب من التداول الإعلامي لتحل محله الدول العربية بأسمائها ويقفز الحديث فقط عن المنطقة العربية وتعود قضية العرب "فلسطين" إلى واجهة المسرح!
من المؤكد أن ما يجري في بلدان الربيع العربي ما زال غامضاً مشوشاً تقف أمامه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جمة بكل تعقيداتها .. ومن المؤكد كذلك أن هذا "الجديد" يتعرض لقوى داخلية وخارجية كل يستهدفه لاستثماره لمصالحه .. إنما المفارقة العجيبة أنه لأول مرة تصبح مقولة الشرق الأوسط الجديد صحيحة .. إلا أنه جديد جاء على حين غرة فاجأ حتى الدوائر التي نحتت هذا المصطلح وسوقته وفاجأ راسمي الاستراتيجيات بشأنه وتصوراتهم له .. مع ذلك فإن جديد الشرق الأوسط، الجديد لن يصبح جديداً بالمعنى الإيجابي إذا ما استهلكته النزاعات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية خصوصاً والمشهد مفزع، فالعراق عراقات ولبنان لبنانات واليمن يمنات والسودان سودانات وتونس في قبضة النهضة ومصر في قبضة الإخوان وليبيا في قبضة الميليشيات وسورية في قبضة المجهول وما لم يعل حديث الاقتصاد وفعله فيه على كل حديث وفعل وتصبح التنمية هي العقل واليد واللسان فلن يكون الجديد اللاحق ضمانة من السقوط في أجندات الجديد السابق يحقق ذلك السيناريو الكارثي الذي عجز عنه أصحابه!