صناعة السيارات.. خيار لتنويع الاقتصاد السعودي
يأتي احتفال الدكتور توفيق فوزان الربيعة، وزير التجارة والصناعة، أخيراً، بإنتاج أول سيارة في السعودية من صناعة شركة (إيسوزو) العالمية، وتوقيع الوزارة ممثلة في البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية مع شركة ''جاغوار لاندروفر'' العالمية للسيارات خطاب نوايا لمشروع صناعة السيارات في المملكة، والذي تقدر استثماراته بنحو 4.5 مليار ريال، تأكيداً على توجه المملكة نحو تنويع قاعدة اقتصادها الوطني ومصادر دخلها القومي.
هناك عدد من المبررات والعوامل التي شجعت الحكومة السعودية على خوض غمار نشاط صناعة السيارات، من بينها الرغبة في تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وتنويع مكونات الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المحلي ومصادر الدخل القومي للمملكة، إذ لا تزال الإيرادات المتولدة عن بيع النفط تمثل حصة الأسد من إجمالي إيرادات الخزانة العامة للدولة بما يزيد على 90 في المائة رغم الجهود التي بذلتها الحكومة في وقت سابق للتقليل من الاعتماد على إيرادات النفط كمصدر رئيس للدخل.
من بين الأسباب أيضاً التي دعت بالحكومة السعودية للتوجه إلى صناعة السيارات، أن السعودية تعتبر سوقاً استهلاكية كبيرة للمركبات والشاحنات (النقل والثقيلة) بجميع أنواعها، والتي جميعها في الوقت الحاضر مستوردة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن السعوديين اشتروا العام الماضي نحو 759 ألف مركبة جديدة بتكلفة إجمالية تزيد على 110 مليارات ريال، كما يتوقع أن تصل أعداد المركبات الجديدة إلى مليون سيارة بحلول عام 2020، إضافة إلى ذلك فإن الطلب على الشاحنات يشهد ارتفاعاً عاما عن عام في المملكة نتيجة للنمو الملحوظ في قطاع الإنشاءات الذي يلعب دوراً مهماً ورئيساً في تنامي الطلب على الشحنات بأنواعها وأحجامها المختلفة.
ومن بين الأسباب الاقتصادية كذلك التي دعت بالحكومة السعودية للتوجه لصناعة السيارات، تشجيع نمو الاستثمارات المحلية والمحلية الأجنبية المشتركة في قطاع ونشاط اقتصادي مهم مثل قطاع السيارات، إضافة إلى تعزيز دور المملكة في تطوير وصناعة المركبات، ما سيسهم في التقليل من حجم الواردات والزيادة في حجم الصادرات الذي بدوره سيساعد على نمو الصادرات غير النفطية للمملكة، بما في ذلك خلق فرص عمل مستدامة، والنمو المطرد للناتج المحلي الإجمالي. ومن بين الأسباب أيضاً أن برنامج التجمعات الصناعية يعمل على تطوير تجمعات صناعية أخرى في صناعة البلاستيك ومواد التغليف وصناعة المعادن وصناعات أخرى، والتي من شأنها أن تنعكس بالفائدة الكبيرة على تجمع صناعة السيارات وأجزائها المختلفة. كما أن قطاع صناعة السيارات يعتبر قطاعا متشعبا ومتداخلا ويتقاطع مع عدد كبير جداً من الصناعات المكملة الأخرى (الصغيرة والمتوسطة)، ما سيحقق لهذا النوع من الصناعات فرصاً لا حصر لها ستسهم بشكل كبير في خلق فرص وظيفية واسعة ومتشعبة.
جدير بالذكر أن السعودية ليست حديثة عهد في مجال صناعة السيارات، حيث إنها قد خطت خطوات ريادية في صناعة النقل الخفيف والحافلات وسيارات الإطفاء والإسعاف وهياكل السيارات وصناعة ناقل الحركة (الجيربوكس) وقطع غيار منوعة وفلاتر السيارات والإطارات والبطاريات، كما أن لديها القواعد والأسس الصناعية الراسخة لصناعة وإنتاج السيارات، لكون أن المملكة لديها نحو 65 مصنعا لصناعة إكسسوارات المركبات كصناعة المقاعد والدهانات والمعاجين والمنظفات والمجموعات الكهربائية وغيرها.
أخيراً وليس آخراً من بين الأسباب إعلان المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني دعمها لقطاع صناعة السيارات في المملكة بهدف مواكبة النمو المطرد لهذا القطاع في المملكة وتوجه عدد من شركات السيارات لإقامة مصانع لها في المملكة، والذي يأتي ضمن البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية، والذي يهدف إلى تنمية القطاع الصناعي. كما أن الاستمرار من خلال هذا البرنامج في بناء الشراكات الاستراتيجية مع المشروعات الكبرى في القطاع الخاص، لتشغيل الكليات التقنية والمعاهد الصناعية المتخصصة بخبرات دولية لإعداد كوادر تقنية ومهنية تلبي حاجة القطاعات الصناعية، سيسهم بشكل كبير في نجاح توجه الحكومة السعودية إلى صناعة السيارات، لا سيما أن المؤسسة قد قامت في وقت سابق بالتنسيق مع القطاع الخاص وشركائه في الدول الصناعية لبناء شراكة استراتيجية في تشغيل معاهد تدريب متخصصة في مجالات مختلفة، منها مجال صيانة السيارات، وذلك من خلال شراكة مع اتحاد صناعة السيارات اليابانية وموردي السيارات اليابانية في المملكة، لتشغيل المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات في جدة.
رغم الفوائد المتوقعة للاقتصاد الوطني أن يجنيها من التوجه نحو صناعة السيارات التي من بينها تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة واستحداث وظائف جديدة في الاقتصاد تمكن الدولة من مكافحة انتشار البطالة بين الشباب، إلا أن البعض ينظر إلى دخول المملكة في مجال صناعة السيارات على أنه لا يعد من بين الأولويات، لا سيما أن للاقتصاد الوطني ميزات تنافسية أفضل من صناعة السيارات يمكن التركيز عليها وتحويلها إلى فرص استثمارية كبيرة في المستقبل، مثل التركيز على الصناعات التحويلية التي تعتمد بشكل كبير على صناعات البتروكيماويات.
أ. د. محمد السقا في زاوية بعنوان: ''مجرد تعليق'' في صحيفة ''الاقتصادية'' في العدد 7005، بدد مخاوف دخول المملكة في مجال صناعة السيارات بضرورة أن تصاحب مثل هذه المشاريع استراتيجية تصنيع ملائمة تضمن توطين هذه الصناعات في المملكة، بحيث يصبح الهدف من الخوض في صناعة السيارات في المملكة واقعا حقيقيا ملموسا وليس أن نرى عبارة منتج صُنع في السعودية شعارا.