الصحافة متى نحميها من الدخلاء؟
في مقال سابق تحدثت عن مهنة الصحافة وانعدام المعايير التي في ضوئها يسمح للراغبين في الانخراط في العمل الصحافي أن يلتحقوا بالصحافة وأشرت إلى أن مهنة الصحافة لدينا قد ابتليت بأشخاص لا علاقة لهم بالعمل الإعلامي سواء من حيث الموهبة أو التأهيل، واقترحت في النهاية أن تضطلع كل من هيئة الصحافيين والجمعية السعودية للإعلام والاتصال بدورهما بحيث تقومان بعقد دورات تأهيلية لراغبي ممارسة العمل الصحافي ومن يجتاز هذه الدورات يمنح ترخيصاً يخوله ممارسة المهنة بحيث يكون مؤهلاً وتنطبق عليه المعايير اللازمة لممارستها بدلاً من ترك الحبل على الغارب لينخرط في العمل الصحافي كل من هب ودب .
تذكرت هذا الموضوع صباح الأحد الماضي حينما قرأت خبراً نشرته إحدى الصحف نقلاً عن مراسلها في مدينة الجبيل الصناعية واشتمل على الأحداث التي نتجت عن سقوط عاصفة رعدية على أحد خطوط نقل الكهرباء في المدينة والذي تسبب في توقف بعض المصانع هناك عن العمل بضع ساعات نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي . ومع تقديري الكبير للمهنية الصحافية العالية التي تتحلى بها تلك الصحيفة إلا أنني لا أتفق مع النهج الذي مارسه مراسلها في مدينة الجبيل الصناعية حينما بالغ كثيراً في تقديراته الشخصية للخسائر التي ستنتج عن هذا الحادث حيث ذكر في عنوان الخبر ونصه أن هذه الخسائر (تطاول ريال)!! وهو ما نفاه المسؤولون في شركة سابك وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارتها صاحب السمو الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان آل سعود.
أعزائي القراء دعونا نتحلى بشيء من الواقعية والبعد عن التخمين الذي لا ينبني على حقائق . فنحن نواجه مشكلة تتمثل في انعدام المهنية والبعد عن التخصص والمسؤولية هنا لا تقع على أولئك الأشخاص الذين تغريهم مهنة الصحافة ويجتذبهم بريقها خاصة عندما يجدون أسماءهم ولربما صورهم تتصدر الصفحات الأولى في الصحف والمجلات بين عشية وضحاها، وهو الأمر الذي يدفعهم لاختراع الإثارة بأي شكل من الأشكال حتى لو كان ذلك على حساب أشخاص آخرين أو على حساب اقتصاد البلد أو حتى أمنه، ومثالنا السابق خير شاهد على ما نقول فبما أن المصانع التي توقفت عن العمل لبضع ساعات كما ذكرنا تابعة لشركة سابـك وغير خفي على الجميع الثقل الذي تشكله سابـك في سوق الأسهم السعودية الذي يعاني أصلاً من انهيار مزمن وجاء هذا الخبر ليحدث هزة أخرى ساهمت في دحرجت السوق إلى الأسفل لتستمر حالة النزيف الحاد التي يعاني منها منذ أشهر مع الأسف!!
عموماً أستطيع القول إن عدم وجود معايير يمكن من خلالها ضبط حدود المهنة وحمايتها من الدخلاء الذين يجهلون معنى الإثارة ويعتقدون أن مفهوم الإثارة يكمن في إبراد معلومات تتسم بالمبالغة حتى لو كانت غير صحيحة وما علموا أن هناك فرقا كبيرا بين الإثارة الإيجابية التي هي من السمات الأساسية للعمل الصحافي والإثارة السلبية التي تتنافى مع القيم والأخلاق المهنية في العمل الصحافي.
أحبتي الأعزاء لقد آن الأوان للقيام بحملة موسعة يتم من خلالها حماية مهنة الصحافة والعمل الإعلامي من أولئك الدخلاء الذين يتخذونها سلماً لتسلق الشهرة والارتقاء على حساب مهنة هي من أشرف المهن وأنبلها . ومن هنا أكرر ندائي السابق راجياً من الجهات ذات العلاقة سواء في المؤسسات الصحافية أو في الجمعية السعودية للإعلام والاتصال وهيئة الصحافيين القيام بدورهم والتصدي لهؤلاء والحيلولة دون إساءتهم لتلك المهنة المحترمة. والله من وراء القصد.