.. وأشرق عهد الاكتتابات الاستثمارية

[email protected]

نحو 800 ألف مكتتب في اكتتاب "العبد اللطيف" بعد أن وصلت أعداد المكتتبين نحو ثمانية ملايين، أي بانخفاض يصل إلى 90 في المائة تقريبا، وهو مؤشر ذو دلالات عديدة، أهمها أن عهد المضاربة أخذ في الاندحار لصالح عهد الاستثمار، وهو ما تسعى الأنظمة واللوائح لتعزيزه، نعم، فالسوق المالية هرم قاعدته استثمارية وقمته مضاربية وإذا انقلب هذا الهرم اختل واختلت معه التوازنات الاقتصادية مما يؤدي إلى هزات اقتصادية متتالية تضرب معظم القطاعات الاقتصادية بصورة أو بأخرى، وهذا ما لا نريده أبدا لاقتصادنا الوطني.
عهد الاستثمار هو العهد الأمثل للأسواق المالية ففيه تغلب العقول على العواطف، وفيه تستقر الأسواق بشكل يحفز المستثمرين من أصحاب المدخرات لاستثمار مدخراتهم دون خوف أو وجل من ذبذبات عالية قد تفقدهم أموالهم، أما عهد المضاربة فهو العهد الأسوأ للأسواق المالية، وإن بذلت الجهات المنظمة من الجهود ما بذلت، ذلك أن العواطف تطغى على العقول، كما تنتشر الشائعات كالنار في الهشيم ويصدقها الجميع دون بحث أو تمحيص، كما تنشط الأنفس الجشعة لتحقيق أرباح سريعة وفاحشة، وإن كان على حساب الوطن والمواطن، وهذا ما كان في السنوات الثلاث الماضية، حيث ربحت الغالبية أرقاما في مرحلة الصعود خسرتها من حر مالها نقدا في مرحلة الهبوط السريع والحاد لتتكدس عند قلة لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
البعض يرى في هذا العهد نذير شؤم حيث يتوقع أن تتوقف الاكتتابات نتيجة عزوف المواطنين عنها بعد أن خسروا في بعضها وتلاشت أحلام التدبيلات في تلك الاكتتابات كما كان في الاكتتابات السابقة مثل اكتتاب بنك البلاد و"اتحاد اتصالات" وغيرهما، والحقيقة أني أرى في هذا العهد بداية ازدهار اقتصادي كبير نتيجة استقرار سوق المال ونضوجها والانطلاق في استكمال متعامليها لتلعب دورها الحقيقي في نقل الرساميل من أصحاب المدخرات لمجتمع الأعمال الجاد القادر على تنميتها وتحويلها لشركات إنتاجية تسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي وتحقق العوائد المالية المجزية للمستثمرين بها من أصحاب المدخرات.
نعم في هذا العهد بدأنا نسمع من يسأل عن عوائد الشركة المالية قبل الإقدام على شراء أسهمها بعد أن كان الشراء على أساس الشائعات والتدبيلات واتجاه المضارب بخصوص هذا السهم أو ذاك، وهذا السؤال المنطقي لا شك أنه سيقود للسؤال عن القطاع الذي تنتمي إليه هذه الشركات واتجاهاته، إضافة إلى السؤال عن إدارة هذه الشركة وقدراتها ومهاراتها واتجاهاتها التوسعية، وهذه الأسئلة دون شك ستضغط في مجملها على إدارات الشركات المدرجة بصورة أو بأخرى لأن حملة الأسهم سيكونون من المستثمرين الأقوياء أصحاب النظرة البعيدة وليسوا من المضاربين الذين لا يعرفون عن الشركة غير اسمها وكبير مضاربيها، وشتان بين هذا وذاك في التأثير على الاقتصاد.
فالقوة الدافعة للمستثمر الاستراتيجي ذات أثر إيجابي على الشركات المساهمة وبالتالي السوق المالية ومن ثم الاقتصاد الوطني، بخلاف القوة الدافعة للمضاربين ذات الأثر السلبي، حيث يدفع المستثمر الاستراتيجي نحو الشفافية والوضوح والإنتاج والإبداع بينما يدفع المضارب قصير الأجل نحو الغموض والفبركة الخبرية بما يعزز موقفه لصيد المزيد من الضحايا.
وبالتالي، فإنني أعتقد أننا سنمر بمرحلة عقلانية تؤصل لسوق مالية ناضجة من حيث درجة الوعي ومن حيث نوعية المستثمرين ومن حيث استكمال المتعاملين، ومن حيث جودة وسلامة الشركات التي ترغب بالإدراج حيث لن يرغب بالإدراج إلا ذوو النوايا الحسنة والأهداف السليمة، وكل ذلك سيشكل دعما قويا لسوق المال التي تمثل مرآة الاقتصاد الحقيقية.
ختاما، أرجو من الإخوة المكتتبين قراءة نشرة الإصدار للشركات الموافق على إدراجها واتخاذ القرار الاستثماري المناسب من خلال تصور حال هذه الشركة بعد خمس سنوات مثلا، وللعلم فإن كل من اكتتب في شركة جادة قبل خمس سنوات حقق أرباحا مضاعفة دون جهد يذكر، مع مراعاة أن الاقتصاد السعودي متين، بإذن الله، وأمامه الكثير من الطفرات الكبيرة بقيادة حبيب القلوب خادم الحرمين الشريفين، أيده الله وسدد إلى الخير خطاه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي