الحياة مع الجن والشياطين (2-2)
كان الحديث في المقال السابق عن السحر والسحرة وكيف أن السحرة يستمدون معارفهم ويكتسبون قدراتهم من خلال اتصالهم بالشياطين وكيف أن الطريق الذي يسلكه الساحر للوصول إلى الشيطان يتطلب الكثير من الأعمال التي تخرج بالإنسان من دائرة الإيمان لترميه في أحضان الشيطان ليكون أداة من أدواته التي ينال بها من الإنسان. ولما كان السحر أداة شيطانية تسعى لاختراق روح الإنسان للتأثير عليه والنيل منه, فإن الوقاية من السحر هي في تقوية الجانب الروحي, فعندما تقوى الروح ويشتد حضورها فإنها تكون حولها غلافا نورانيا يحفظها ويحرق كل عمل أو قول أو فعل يقوم به الساحر لإيذائها أو التعرض لها. أما عن موضوع الإنسان والشياطين وكيف يمكن للشيطان أن تكون له سلطة على روح الإنسان مما يعرض هذا الإنسان للاختلال وعدم التوازن في نفسه وفي أمور حياته. نحن نعرف أن هناك علاقة قوية بين سلامة روح الإنسان ونفسه وبين سلامة بدنه, فعندما تعتل الروح وتمرض النفس فإن البدن الذي يحويها هو الآخر ينهار تحت وطأة الروح المريضة والنفس المعتلة وبالتالي قد نرى هذا البدن وهو يعبر عن حالته بألم هنا ووجع هناك وفشل في هذا العضو واعتلال في عضو آخر. وعندما يريد الشيطان أن يتلبس بروح إنسان فإن طريقه إلى ذلك هو أن يوهم الروح بأشياء وأمور إما تغريها للقيام بأفعال تعود بالضرر على صاحبها وإما تخيفها من قضايا وأفعال هي من طبيعتها وتعود بالنفع عليها. علينا أن ندرك أن الإنسان لا يتحرك ولا يقيم حياته بالحقائق فقط لأن الأوهام هي الأخرى لها دور كبير في توجيه حياة الإنسان وهذه هي نقطة الضعف التي ينفذ منها الشيطان. وكلما كانت الروح غير محصنة بالعلوم والمعارف التي تكشف للإنسان حقائق الحياة فإن الشيطان عند ذلك يتكفل وهذه وظيفته بتزيين الأوهام والخرافات للإنسان وعندها تبدأ مشكلات هذا الإنسان التي قد لا يتخلص منها ولا تنتهي من حياته إلا باندحار مثل هذه الأوهام والخرافات. وطالما نصر على تغييب العلم عن حياتنا وطالما نجتهد في ألا يكون لنا تفكير علمي نؤسس عليه رؤانا لأنفسنا وللحياة معا فإن ما يلقي به الشيطان في أرواحنا من أوهام وخرافات سيقودنا إلى الضياع والشقاء. وقد يهرب الشيطان المتلبس بروحنا عندما يسمع كلام الله العظيم وهذا الكلام العظيم هو نور وطاقة لا قبل للشيطان بهما ولكن سرعان ما تعود هذه الشياطين إلى مكانها لأننا قد نطلبها ونسعى لها من جديد, وذلك لأننا قد ألفنا الحياة مع الأوهام والخرافات والأباطيل ولا نريد للعلم والمعرفة أن ينيرا أرواحنا ولا أن يضيئا نفوسنا, فبنور العلم وبضياء المعرفة ستهرب الشياطين من حولنا وهذا هو الطريق للخلاص من تأثير الشياطين على حياتنا. ومرة أخرى نقول مع الأسف إن بعض علمائنا يلعبون لعبة الكر والفر مع الشياطين والضحية لهذه اللعبة نحن البسطاء, فهم يعرفون وقد لا يعرفون أن قراءة القرآن وإتاحة الفرصة للروح المريضة أن تسمع كلام الله قد تعيدان لها بعض الهدوء والاطمئنان والأمان ولكن هذا الأمان سرعان ما يختفي لتعود الروح إلى اضطرابها, وذلك لأن هذا القارئ لا يحسن توظيف كلام الله من أجل تنوير روح هذا الإنسان وتخليصه من الأوهام والخرافات التي يتمسك بها والتي كانت هي السبب في معاناته واضطراب حياته. وقد يقول قائل وهل الإنسان قادر في كل وقت وفي كل حين أن يعرف الحق من الباطل والحقيقة من الوهم والصدق من الخرافة, وإذا كان هذا هو حال الإنسان وإذا كانت هذه النقطة الضعيفة في الإنسان هي التي قد تتيح للشيطان أن ينفث من سمومه وأوهامه في روحه هي مما يخرج عن قدرة الإنسان وسيطرته فكيف يستطيع الإنسان أن يتجاوز نقطة ضعفه؟ هي صحيح نقطة ضعف ولكن ليس للإنسان الذي يدعو ربه بان يريه الحق حقا فيتبعه والباطل باطلا فيجتنبه, وهي نقطة ضعف ولكن ليس للإنسان الذي يتعوذ دائما بالله من الشيطان الرجيم. فمرة أخرى يتضح لنا أن الشيطان لا يتلبس بنا إلا لضعفنا ولا يستطيع المساس بنا إلا عندما لا نتسلح بالإيمان الصادق والمعرفة الحقة وحتى عندما تتشابه الأمور علينا فإننا بدعائنا وتعوذنا بالله من كل الشياطين يتكفل الله سبحانه وتعالى بسد كل المنافذ التي قد يمكن للشيطان أن يتسلل منها إلى أرواحنا. فلنقو أرواحنا ولنتعوذ دائما بالله وعندها لن يكون للشيطان سلطان على أرواحنا ولن يتلبس بنا ولا نتلبس به ولن يكون له وجود في حياتنا.
أما عن موضوع الحسد والعين وما نشهده من خوف وهلع عند الناس من أن تصيبهم عين قد تتسبب في زوال ما عندهم من نعم وصحة وخيرات, أو قد يلتفت إليهم حاسد فيتمنى تبدل أحوالهم وتشتت أموالهم وخراب ديارهم حقدا منه عليهم, فإن هذا الموضوع هو الآخر لا يخرج عن دائرة روح الإنسان وما تتعرض له من محاولات لاختراقها والمساس بها والتعرض لها. فعندما يتعرض الإنسان لعين حاسدة وأمنية حاقدة وشريرة فإن هذا الإنسان بحسده وحقده هذا يطلق من روحه شحنة من الطاقة الفاسدة والهدامة التي قد تلحق بالإنسان الضرر في نفسه أو أهله أو حاله وقد لا يسلم من شر هذه العيون الحاسدة والنفوس الحاقدة والمريضة حتى من ليس عنده ما يستحق أن يثير حسد هؤلاء الحاسدين والحاقدين, ولعل المثل المعروف عندنا والقائل إنهم يحسدون الفقير على موتته في ليلة الجمعة لهي إشارة وإن كانت فيها بعض المبالغة أن الحسد والعين هما تعبير عن نفس مريضة وروح شريرة عند هؤلاء الحاسدين والحاقدين, وإذا كان المريض في بدنه قد يصيبنا بمرضه وينقل لنا من ميكروباته وفيروساته إذا ما خالطناه واقتربنا منه فإن الإنسان الحاسد ومثله الحاقد هو الآخر قد يضرنا بنفسه المريضة وقد يصيبنا ما نكره بروحه الشريرة التي هي بالتأكيد مصدر لإشعاعات وانبعاثات ضارة قد تتلف ما عندنا من نعم وخيرات. وعندما يكثر التحاسد بين الناس في المجتمع وعندما تصير للناس عيون لا ترى ما عندها من نعم وخيرات فتحمد الله عليها وتشكره بقدر ما هي تنظر إلى الآخرين وما عندهم من خير ونعمة فتتمنى زوالها, فإننا بذلك نتحول إلى مجتمع مريض وخائف وغير قادر على إقامة علاقات سليمة وصحية فيما بيننا. إن روح الإنسان عندما يخالطها الشر تتلوث وبتلوثها تنبعث منها أدخنة وانبعاثات وملوثات ضارة ولكن كل هذه الأدخنة والملوثات الضارة التي تنطلق من الإنسان الحاسد والعين الحاقدة لا تنجذب إلا من قبل الروح الضعيفة وغير المحصنة بالإيمان القوي بربها وأما الروح القوية والمتيقظة والمؤمنة بقضاء الله وقدره فلها قوة طاردة لهذه الأدخنة ومفككة ومبعثرة لهذه الانبعاثات والملوثات الضارة وفي كل يوم تزيد هذه الروح من قوة حصونها ومتانة خطوطها الدفاعية بقراءة سورة الفلق التي يتحول كل حرف من كلماتها إلى سور منيع تتكسر على أعتابه نظرات الحاسدين والحاقدين لتعيش روح ذلك الإنسان مطمئنة وغير خائفة من العيون الحاسدة والنفوس الشريرة.
في الختام يجب التأكيد على حقيقة مهمة وهي أن الشياطين وأتباعهم من السحرة والحاسدين يريدون ألا نعيش بسلام وأمان, ومع الأسف من ينظر إلى حالنا في الوقت الحاضر يجدنا وقد أحاط بنا الخوف من هؤلاء الشياطين الذين لكثرة ما تلبسوا بنا صرنا في خوف دائم وقلق دائم, فصرنا ننام ونحن نتكلم عن الشياطين ونجلس ونحن نتكلم عن الشياطين ونمرض ونلوم الشياطين ونصحى ونشفى من مرضنا وننسب الفضل لهم. ماذا دهانا لكي يشكل الشياطين والحساد حياتنا, ولماذا استضعفونا لكي يعيثوا في دنيانا الخراب وينشروا في حياتنا الفساد. وكما قال المرحوم الشيخ الغزالي, ما بال هذه الشياطين تركت كل الأوطان لتستوطن بلاد المسلمين والمؤمنين وتبتليهم بشرها وسحرها وحسدها وعندنا من ذكر الله ما يدمرها ويهلكها ويبعد شرها عنا, فهل بأرواحنا الضعيفة وبقلة إيماننا وشدة تعلقنا بالأوهام والخرافات حببنا لهؤلاء الشياطين وهو الذي استضعفنا عند السحرة وأصحاب النفوس المريضة. دعونا نقل بصوت عال حتى يسمع علماؤنا وأصحاب الفضيلة عندنا بأننا ندعوهم لكي يولوا هذا الأمر المزيد من اهتمامهم وألا يسمحوا للبعض منهم أن يكرس مثل هذه الثقافة عند الناس وهي ثقافة تجبن الناس وتخيفهم وتوحي إليهم بأننا نعيش في عالم الجن والسحرة والشياطين وإنهم هم الذين يتحكمون في مصيرنا وأننا نعيش حياة كلها خوف وقلق من أن يصيبنا من شرهم ما يلحق الضرر بنا أو بأهلنا أو بأموالنا. لقد ابتدأت كتابة هذه المقالة في خلال شهر رمضان وعندما قرأت ابنتي الصغيرة العنوان وجدت أن وجهها قد تغير لونه وقالت لي ببساطة مالك يا أبي ومال الشياطين والجن والسحرة, هل تريد أن تستثيرهم بكلماتك وأن تغضبهم بأقوالك وهم يعيشون حولنا وبيننا وعندنا في بيوتنا وغرفنا وحتى إن الأبلة قالت لنا إنهم يلبسون ملابسنا ويفترشون أسرتنا وينامون معنا وإن غضبوا علينا قد يهاجموننا ويحرقوا علينا دارنا. وبعد أن هدأت من خوفها طمأنتها أن الشياطين في شهر رمضان مكبلة ومقيدة بسلاسل وإننا إن شاء الله بعد شهر رمضان سنسحبها وهي مقيدة بسلاسلها لنرميها بعيدا عنا. إن علينا ألا نسمح لمثل هذه الثقافة أن نبتدئ بها تربية أولادنا وبناتنا, ألا يكفي أننا لا نقدم لهم من التعليم ما يحرك عقولهم وينشط تفكيرهم لنزيدهم فوق ذلك بأشياء تعطل ما عندهم من بقية تفكير ونشاط ورغبة في ممارسة الحياة بإيجابية. اللهم إنا نسألك إيمانا تباشر به قلوبنا ويقينا بأننا لا يصيبنا إلا ما كتبته لنا ولك الحمد يارب العالمين.