العيد وأوجاع الأمة الإسلامية

[email protected]

بداية أتقدم بالتهنئة للجميع بمناسبة عيد الفطر المبارك أعاده الله على الجميع باليمن والبركات، وأول تهنئة أرفعها لمقام خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين ـ حفظهما الله، ولجميع أفراد الأسرة المالكة وكل فرد من أبناء بلدي وأمتينا العربية والإسلامية، داعيا المولى ـ عز وجل ـ لهما بكل خير ورفعة وقد تخلصتا من وهنهما وضعفهما وأخذتا المبادرة بمعالجة شجونها وشؤونها بنفسيهما وقدراتهما وإمكاناتهما وحضورهما الفعال الذي نأمل ألا يكون كزبد البحر.
يهل علينا عيد الفطر السعيد هذا العام وأحوالنا بكل أسف لا تعكس أجواء سعادة على الإطلاق، فالأوجاع كثيرة والمعاناة كبيرة بسبب ما نواجهه اليوم وفي هذا العصر بالذات من لحظات وهن وضعف واستقواء الغير علينا بما جعلنا الجانب الأضعف في عالم تراجعت فيه المبادئ الإنسانية وساد فيه منطق القوة وحدها، فعالمنا اليوم يدلف للألفية الثالثة بعقلية عصور الغاب حيث يسود القوي على الضعيف في غيبة كاملة لما يسمى الشرعية الدولية بعدما قامت على قاعدة الكيل بمكيالين، فالقوي المتمكن من القوة لا تطبق عليه قوانين هذه الشرعية، والضعيف تستعرض عليه عضلاتها بحجة تطبيق القانون الدولي. وأمتنا العربية في وقتنا الراهن وبسبب تفككها وغياب وحدة موقفها وتراص صفوفها والتمسك بتضامنها الفعال والحقيقي أصبحت مستباحة عسكريا وسياسيا وثقافيا، وباتت دولها يستفرد بها الواحدة بعد الأخرى وشعارها: "أنج عمر فقد هلك زيد". وأمتنا الإسلامية يشوه جوهر هويتها وهو دينها باسم محاربة الإرهاب، وتنتهك مقدساتها حتى وصل الأمر إلى الإساءة العلنية والوقحة لرسولها ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ بحجة واهية خبيثة هي حرية الرأي والتعبير!! والطامة الكبرى إننا كأمة إسلامية بلينا أيضا من داخلنا من بعض المنتسبين إلينا والذين أسهموا عن جهالة أو سوء نية بإعطاء خصومنا الفرص المتتالية لتشويهنا وتشويه ديننا بوصفنا بالإرهاب، فالعالم اليوم حينما يتكلم عن الإرهاب فهو يعني الإسلام بكل أسف لأنهم نجحوا ولو إلى حين في ربط الإرهاب بالإسلام ظلما وتجنيا عليه، وقد حققوا نجاحا بفضل أخطاء بعض المنتسبين للإسلام ممن أعطوا النموذج السلبي بادعاء الجهاد الذي أسيء فهمه وحرف عن مقصده أو استخدم في غير مكانه وزمانه.
على الرغم من هذه الصورة القاتمة لأوضاعنا كعرب ومسلمين في عالم لا يرحم الضعفاء وفي غيبة من شرعية دولية متوازنة وعادلة، عالم يسوده منطق الغاب الملبس بقانون وشرعية بات واضحا أنهما يستخدمان لكي يفرض فيهما القوي هيمنته وسيطرته، على الرغم من ذلك فأنا مؤمن إيمانا قاطعا بأن العاقبة لنا، فأمة لا إله إلا الله محمد رسول الله هي أمة راسخة الجذور لا تستطيع أي قوة غاشمة قلعها وإن ذبلت أوراقها بفعل أجواء دولية ساخنة طارئة ساد فيها الظلم والجور وشهوة المطامع، فهذه الأمة ليست من الأمم العابرة في تاريخ البشرية، بل هي أمة صانعة لهذا التاريخ ومشاركة في الحضارة الإنسانية بفاعلية، وهي أمة عركتها أحداث التاريخ طوال تاريخها، وواجهت صعابا ومحنا وبقيت راسخة تتجدد قواها عصرا بعد عصر متجاوزة كل ما مر بها لأنها ذات رسالة عظيمة حملت إياها بوحي إلهي، فأمة كهذه الأمة لا يمكن شطبها أو إضعاف دورها أو القضاء عليها مهما تمكن أعداؤها من القوة، لأن قوتها أمكن من قوة أعدائها والمتمثلة في عقيدتها التي أثبتت السنون والأحداث أنها لا تهتز وإن ضعفت في لحظات من التاريخ بسبب اهتزازنا نحن وضعفنا.
ميزة هذه الأمة أنها قادرة دوما على استيعاب واحتواء ضعفها دون أن يقوض بنيانها الصلب والراسخ الكامن في وجدانها، وهي قوة مستمدة من قوة عقيدتها التي ستظل هي الجذوة المشتعلة على الدوام في وجدانها، وخير مثال عليها فشل الفرنسة الاستعمارية للمغرب العربي من القضاء على هويته العربية الإسلامية والتي سريعا ما استعادها بعد الاستقلال .. وبرزت في انتفاضة الأمة كلها من مشرقها لمغربها دفاعا عن رسولها، عليه أفضل الصلاة والسلام، حين مس بتلك الرسوم السفيهة والساقطة أو من خلال ردة الفعل القوية حيال بابا الفاتيكان مما أجبره على الاعتذار وبصورة ذكرت بعنفوانها الكامن بداخلها، وهو عنفوان لا بد وأن يورق يوما ما كما تورق الشجرة الجرداء حالما تسقى بقطرات الغيث لأن جذورها حية، فتوالي الصعاب والأزمات على الأمة كمثل الغيوم السوداء التي هي مقدمة لنزول الغيث، فكلما اشتدت عليها النوائب يولد الأمل اليقين باستيقاظها من سباتها واستنهاض هممها من جديد، لأنها أمة تملك مقومات الأمة الحية القادرة على الوقوف مرة أخرى في وجه كل عات كما حدث طوال تاريخها. وما نشهده اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان ما يؤكد قولنا، فالقوى الباغية لم تستطع بكل قواها العسكرية والسياسية والاقتصادية فرض إرادتها وحسم الصراع لصالحها حتى الآن ولن تستطيع، فتصاعد روح المقاومة والممانعة هو أبلغ درس ودليل، فصلابة المقاومة والممانعة في فلسطين والعراق وأفغانستان هي بداية نهضة الأمة حين تأخذ نهجها الصحيح، فالإسلام منغرس في عمق وجدان الأمة، وكما قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في لقائه مع هيئة علماء المسلمين في العراق، أن العقيدة الإسلامية تظل عزيزة إلى الأبد على قلوب المسلمين "مهما حوربت وهوجمت من دول عدة". وقد نطق بالصدق وعبر بكلمات بسيطة ومختصرة عن المعنى الذي قصدناه، فعقيدتنا الإسلامية راسخة في وجدان وعقل كل مسلم، وهذا الرسوخ هو مكمن قوتنا وصلابتنا التي جربت واختبرت على مدى تاريخنا، فكانت هي الحصن الذي حمى الدين من كل قوى الشر والتخلف والحقد، وهي التي سوف تحميها مما نواجهه اليوم من بغي وعدوان وتجبر بشرط تمسكنا بها والعض عليها بالنواجذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي