اكتتابات أسهم حقوق الأولوية.. إلى أين ؟
تعتبر أسهم حقوق الأولوية إحدى أهم الأدوات المالية المتاحة أمام الشركات المدرجة في السوق لرفع رأس المال من خلال إصدار أسهم جديدة (قد تكون بعلاوة إصدار) ينحصر الاكتتاب بها في مساهمي الشركة حاملي الأسهم يوم عقد الجمعية العمومية غير العادية التي أقرت رفع رأس المال. وهي بذلك تختلف كليا عن الاكتتابات العامة للأسهم الموجهة لجميع المواطنين دون استثناء.
أخيرا، أعلنت الشركة العقارية السعودية عن الاكتتاب باسهم حقوق الأولوية على 30 مليون سهم جديد بسعر 52 ريالا للسهم الواحد (شاملا علاوة الإصدار) خلال الفترة من 24 أيلول (سبتمبر) إلى 4 تشرين الأول (أكتوبر) بهدف جمع مبلغ 1.554 مليار ريال (بعد خصم تكاليف الطرح) وتنوي الشركة استخدام متحصلات هذا الاكتتاب لتنفيذ خطة الشركة بالتوسع في مشاريع العقارية بلازا ومدينة العقارية التجارية وفلل عقارية اليرموك بتكلفة إجمالية 2.119 مليار ريال حسب ما نصت عليه نشرة الإصدار (صفحة ل وصفحات 44-47) علما أن نتائجها المالية للربع الثالث المنتهي في 30 أيلول (سبتمبر) تبين أن رأس المال العامل (قبل الاكتتاب) يظهر عجزا بقيمة 51 مليون ريال مما يعني وجود حاجة ماسة للسيولة لمواجهة الالتزامات المتوقعة خلال الاثني عشر شهرا المقبلة.
في الإطار نفسه، ورد في موقع تداول يوم الإثنين الماضي 27 تشرين الثاني (نوفمبر) إعلان من الشركة العقارية السعودية يبين أن الشركة قامت بشراء أرض في مدينة جدة بقيمة 255 مليون ريال وهو مبلغ كبير نسبيا يعادل 17 في المائة من إجمالي الأصول (قبل الاكتتاب) و17 في المائة من إجمالي متحصلات الاكتتاب، ونتساءل هنا: كيف قامت الشركة بشراء الأرض ومن أين حصلت على التمويل اللازم لشراء الأرض؟ ثم أين خطة التوسع التي أعلنت عنها في نشرة الإصدار؟
من الواضح أن الشركة استخدمت بعض متحصلات الاكتتاب لشراء الأرض مما يعني انحرافا عن خطة التوسع المعلنة وأن الشركة لم تكن في حاجة للحصول على إجمالي متحصلات الاكتتاب البالغة 1.554 مليار ريال كاملة في هذا الوقت. وكان من المتوجب عليها إلزام المساهمين الاكتتاب على دفعات ضمن خطة مدروسة للحصول على تدفقات نقدية داخلة (بفترات استحقاق وعلاوات إصدار مختلفة) آخذين في الاعتبار أن فترة تنفيذ خطة الشركة في التوسع ستراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات (فترة طويلة نسبيا) وأن إلزام المكتتبين تسديد المبلغ كاملا في هذا الوقت كبدهم خسائر بأكثر من 25 في المائة بالمقارنة مع سعر السهم السوقي البالغ حاليا أقل من 40 ريالا للسهم.
في مثال آخر، نجد أن شركة جازان للتنمية أعلنت عن الاكتتاب في أسهم حقوق الأولوية على خمسة ملايين سهم (قبل التجزئة) بسعر 75 ريالا للسهم (شاملا علاوة الإصدار) خلال الفترة من 4 إلى 16 شباط (فبراير) الماضي بهدف جمع مبلغ 370 مليون ريال (بعد خصم تكاليف الطرح) وتنوي الشركة استخدام متحصلات الاكتتاب لتنفيذ مشاريع متنوعة بقيمة إجمالية تبلغ 432 مليون ريال يتم تمويلها بشكل رئيسي من متحصلات الاكتتاب في حين تعهدت الشركة بتغطية الالتزامات الآنية من بيع الاستثمارات الحالية للشركة حسبما نصت عليه نشرة الإصدار (صفحة 47) علما أن نتائجها المالية للسنة المالية المنتهية في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2005م تظهر أن رصيد النقدية بلغ أقل من أربعة ملايين ريال وأنه لا توجد لدى الشركة أي أرصدة لاستثمارات قصيرة الأجل.
في السياق نفسه، نجد أن النتائج المالية للربع الأول المنتهي في 31آذار (مارس) من هذا العام تظهر أن رصيد النقدية بلغ 501 مليون ريال وأنه لا توجد أي أرصدة لاستثمارات قصيرة الأجل. أيضا، نجد في النتائج المالية للربع الثاني المنتهي في 30 حزيران (يونيو) أن أرصدة النقدية بلغت 450 مليون ريال وأن الاستثمارات قصيرة الأجل ارتفعت إلى 76 مليون ريال في حين بلغ رأس المال العامل أكثر من 536 مليون ريال (مستوى مرتفع جدا تجاوز به رأس المال الحقيقي للشركة). أيضا، نجد في النتائج المالية للربع الثالث المنتهي في 30 أيلول (سبتمبر) أن أرصدة النقدية بلغت 467 مليون ريال وأن الاستثمارات قصيرة الأجل بلغت 56 مليون ريال في حين حافظ رأس المال العامل على مستوى أعلى من 526 مليون ريال (أي المحافظة على مستوى مرتفع جدا من السيولة يفوق قيمة رأس المال الحقيقي للربع الثاني على التوالي).
من ضمن المشاريع المعتمدة في نشرة الإصدار، أعلنت الشركة على موقع تداول البدء في تنفيذ مشروع الروبيان (2) مع إحدى شركات المقاولات الوطنية ولم تعلن حتى الآن عن باقي المشاريع المعتمدة في حين أن المفاجأة كانت في إعلان الشركة على موقع تداول عن مشاريع أخرى لم تتطرق إليها نشرة الإصدار مثل: المساهمة في شركة الفنادق الاقتصادية العربية بقيمة 41.5 مليون ريال والحصول على ترخيص صناعي بإنشاء مصنع أسمنت فرسان بتكلفة 1.270 مليار ريال (مبلغ يفوق رأس المال الجديد بمرتين ونصف) !! وهنا نتساءل: لماذا تحتفظ الشركة بهذه السيولة العالية جدا دون توظيف لمدة تزيد على سبعة أشهر؟ ولماذا لا تلتزم الشركة بالخطط المعلن عنها في نشرة الإصدار؟ وكيف لها أن تمول مشاريعها الجديدة غير المخطط لها؟ وهل تنوي القيام بإصدار آخر من أسهم حقوق الأولوية وهي التي لم تلتزم بخططها المعلنة؟
مما سبق، يتبين لنا أن بعض الشركات التي بذلت الكثير من الوقت والمال في عمل دراسات الجدوى والتي قامت أخيرا بإصدار أسهم حقوق الأولوية استنادا على هذه الدراسات هي في الحقيقة شركات تفتقد التخطيط المدروس في توظيف متحصلات هذه الاكتتابات أو في توقيت الحصول على هذه المتحصلات حسب خطط العمل المعلنة في نشرات الإصدار. إن الموضوع مهم ويحتاج إلى إعادة نظر من مجالس إدارات الشركات المساهمة والجمعيات العمومية لمساهميها حول فاعلية استخدام أسهم حقوق الأولوية بما يخدم مصالح الشركات ومصالح مساهميها ...... وإلا فإننا سنضع العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات.