ماذا نريد من «الهيئة»؟

لأن اسم ''الهيئة'' ارتبط في أذهاننا في غالب الأحيان بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا بد من التوضيح بأننا هذه المرة نتحدث عن هيئتنا المنتظرة ''هيئة وكالة الأنباء السعودية''. ربما أشبع الحديث عن شقيقتها التوأم ''هيئة الإذاعة والتلفزيون''، لكننا أغفلنا ماذا نريد من (واس) بحلتها الجديدة وهي تتزين بصفة ''هيئة''، هذه الصفة التي من المفترض أن تمنح كل جهاز حكومي يتسمى بها الاستقلالية والمرونة اللتين لا يوفرهما العمل الحكومي بتقليديته المعتادة.
ومع أن كثرة إنشاء الهيئات ليس دائما مؤشرا إيجابيا، خاصة في ظل عدم نجاح بعضها في الوصول إلى الغاية التي تتوسمها الحكومة منها، وخير مثال هيئة السوق المالية، فإن (واس) ظلت تراوح أداءها التقليدي شأنها شأن أي وكالة أنباء رسمية في دول العالم الثالث تنحصر مهمتها الأساسية في نشر ما يصلها من أخبار رسمية، وكذلك ما يأتيها من وكالات الأنباء الحكومية الأخرى، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
أما و(واس) تنتقل إلى هيئة عامة تبتعد فيها عن التعقيد الذي صاحبها وهي تابعة لوزارة الإعلام والثقافة، فإن الحكومة لم تبق لها عذرا لتستمر في تقليديتها السابقة، إضافة إلى أننا معشر قبيلة الصحف السعودية ننتظر منها تحولا يسهم في تطوير العمل الصحافي ككل، فلم يعد ممكنا مع التغيرات التي طرأت على العالم، وبلادنا ليست بمعزل عنها، أن تبقى (واس) أسيرة نشرة الأخبار الرسمية فحسب، وهي في غالب الأحيان لا تتعدى سطورا معدودة، بل عليها أن تتوسع كثيرا في إعطاء خلفيات مهمة لهذه الأخبار توفر المعلومات التفصيلية التي لا يتسنى الحصول عليها إلا عن طريقها فقط، فمثلا، القرارات الصادرة أسبوعيا من مجلس الوزراء تحتاج إلى الكثير من المعلومات والتفاصيل التي من شأن نشرها تعزيز إيجابية الكثير منها، على عكس نشرها بعبارات مختصرة لا تنقل حقيقتها على أرض الواقع، فما الذي يمنع أن تحاور الوكالة الوزير المعني بهذه القرارات لتنقل تفاصيلها للمواطنين؟ وعلى هذا المنوال، كثير من القرارات الرسمية الصادرة التي لا تجد من يشرحها ويجيب عن تساؤلات الناس، ما يفتح باب التأويلات والتكهنات حتى الظنون السيئة، وهذه الأخيرة ما أكثر مروجوها في الآونة الأخيرة، بل إني لا أبالغ إذا قلت إن بعض القرارات الإيجابية تتحول بقدرة قادر إلى قرارات سلبية، فقط لأن تفاصيلها لم تشرح للمتلقي بالشكل المطلوب، ولا ننسى أولاد الحلال وتفننهم في تحويل كل الإيجابيات لسلبيات .. فلماذا يمنحون هذه الفرصة؟!
وبعيدا عن كون الهيئة ستبقى تحت هيمنة وزير الإعلام والثقافة باعتباره رئيسا لمجلس إدارتها، وقد يكون ذلك مناسبا لفترة التأسيس، فإن دور الهيئة في الفترة المقبلة سيكون مختلفا كليا عن عقود مضت، وهو ما تضمنه قرار مجلس الوزراء بأن يكون هدفها ''الإسهام في تعزيز المهنية الإعلامية والصحافية في المملكة''، وهذا لن يتحقق إلا بفكر جديد ينقل عمل الوكالة من الطابع الرسمي إلى طابع أكثر احترافية، وهو دور مزدوج يمارسه كثير من وكالات الأنباء الحكومية في العالم وينجح فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي