حليب الأطفال .. أين الحماية من ارتفاع الأسعار؟

يتثاقل البعض ــــ وأنا منهم ــــ عندما تصله رسالة على هاتفه الجوال (لا تنسى الله يعافيك تجيب حليب الولد)، فيبدأ هنا الصراع التقليدي بين عاطفة الأبوة والمسؤولية وتوقيت مغادرة المجلس الذي يجمع الأصدقاء ورفاق الدرب، مع ملاحظة أن وجه التثاقل أو التملل يتمثل هنا في التخوف من معرفه الرقم التصاعدي الجديد لسعر عبوة الحليب وما يعقبها، كما جرت العادة في غالب الأحوال، من نقاش وجدل ''بيزنطي'' مع الصيدلي أو البائع عن أسباب وتداعيات زيادة السعر المفاجئة للمنطق وللميزانية المالية. وقد يحدث أن يتواجد في الصيدلية، ويشترك في هذا الحوار من يعاني هذه الظاهرة غير الصحية كما هو الحال أخيرا في مداخلة أحد المواطنين التي كانت مغلفة بنصيحة شخصية وبنبرة كان يغلب عليها النعاس، عطفا على تأخر الوقت، ولا تخلو كذلك من الدعابة بعدم جدوى هذا النقاش، فالموضوع يتكرر وليس لنا سوى القبول بالواقع المر؟ أو التفكير جديا بتحديد النسل؟ كمالا يفوتني التنويه بالجواب التقليدي للصيادلة العاملين في هذه الصيدليات هو في الغالب (ليس لنا علاقة أو مسؤولية عن هذه الزيادة.. الأسعار وصلتنا فجأة من المورد.. ويوجد لدينا عبوات للنوع نفسه بالأسعار القديمة.. حاول أن تجدها بين الرفوف فلعل الحظ يحالفك).. أذكر هنا وعلى سبيل المثال حليب للأطفال أرتفع سعره في فترة زمنية قصيرة من سعر 63 إلى 76 ريالا للعبوة الواحدة الكبيرة.. وكذلك نوع آخر من سعر 18 إلى 25 ريالا.
في المقابل ومن الناحية التنظيمية والتشريعية يتوافر عدد جيد من الأنظمة واللوائح لما يعرف من الناحية العلمية ببدائل حليب الأم أو ''الأغذية التكميلية'' يجسد الرقابة والتداول والجودة النوعية في هذا الخصوص (نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية، نظام تداول بدائل حليب الأم، نظام الهيئة العامة للغذاء والدواء، النظام الصحي) وجميعها تلمس المعايير النوعية للجودة والصلاحية والتسجيل والترخيص الرسمي للمستحضر والمنشأة.. بينما تقف وعلى استحياء ـــ وبحكم التخصص ــــ بعيدة عن مراقبة الأسعار لتفسح المجال بذلك إلى المنظومة الحكومية المعنية ''وزاره التجارة'' لتقوم بهذه المهمة التنظيمية والرقابية.
تشير المادة الثانية عشرة من نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية إلى عملية تنظيم وتحديد واضح لنسبة الربح والزيادة في الأسعار كفروقات حسابية مشروعة للصيدليات أو المستودعات تتفاوت ما بين 10 إلى 20 في المائة من جراء بيع الأدوية والعقاقير الطبية، كما تذكر أيضا وفي السياق نفسه المادة الخامسة من النظام الصحي في بندها السابع دور وزارة الصحة في تنظيم ومتابعة ومراقبة توافر وصلاحية الأدوية والعقاقير الطبية وملاءمة أسعارها.
يتهامس المختصون والمتابعون في هذا المجال على أن أصل المشكلة يشير بأصابع الاتهام إلى ''الشركة الموردة'' أو ''الوكيل'' الذي يقوم ودون سابق إنذار برفع الأسعار واعتمادها لهذه البدائل والأغذية الحيوية والمطلوبة من خلال وضع ملصق جديد للسعر الجديد دون التنسيق أو النقاش مع وزارة التجارة أو هيئاتها ذات العلاقة؟ حيث تكون الحجة في الغالب بعض المبررات غير المقبولة من الناحية العملية كما هو الحال في الاعتماد مثلا على ''فروقات العملة النقدية''. وبعد ذلك يبدأ التعامل مع هذه الظاهرة بعد أن تكثر الشكاوى والبلاغات في هذا الخصوص.
إن توافر الصحة للفرد والمجتمع ومن الجانب العملي يدعم مسيرة التنمية الشاملة، وكذلك تطبيقات التنمية المستدامة بالتزامن مع التسارع العملي الملاحظ في تطبيق الآليات التنفيذية الإشرافية لمحاربة الجشع والفساد، والدور المفترض من الجميع في التعاون والتفاعل وخدمة التطوير والارتقاء بنوعية وجودة الخدمات بصفة عامة.. وهنا يطرح المواطن قبل المختص بعض الأسئلة التي تنشد التشخيص وتقترح الحلول المطلوبة: هل يتم عمليا إحاطة أو التعميم على وزارة التجارة من قبل الشركات الموردة عن النية والعزم قبل بحث المسببات المنطقية لزيادة أسعار هذه البدائل والمكملات الغذائية قبل اعتمادها في الأسواق؟ هل بالإمكان إتاحة الفرصة لشركات موردة أخرى أكثر التزاما وتعاونا بدلا من احتكار بعض الشركات المشهورة في هذا المجال؟ كيف يمكن لبعض المنظومات الحكومية الصحية القيادية المنوط عملها بتوافر عوامل استقرار الصحة مثل وزارة الصحة ممثلة في مديرياتها للشؤون الصحية في مختلف مناطق المملكة أن يكون لها دورا رقابيا فاعلا في هذا الخصوص؟ أم أن الحل في استحداث (هيئه إشرافية منفصلة تختص بمراقبه أسعار الدواء والغذاء بأنواعه تحت مظلة وتعاون جميع المنظومات الحكومية الصحية والغذائية والتجارية ذات العلاقة)، وهل تستدعي الحاجة تفاعل ومشاركة هيئات حكومية رقابية أخرى للحد من تنامي هذه الظاهرة غير الصحية في المجتمع؟
ولم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام
فلما صار ود الناس خبا
جزيت على ابتسام بابتسام

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي