صح لسانك يا معالي الوزير
<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>
في لقائه مع القيادات التربوية في منطقة مكة المكرمة دار حوار ونقاش طويل بين وزير التربية والتعليم الدكتور عبد الله العبيد، وتلك القيادات حول شجون وشؤون التربية والتعليم، وعلى الرغم من أن النقاشات التي جرت شرقت وغربت وطرح من خلالها كثير من المواضيع التي تهم المعلم والعملية التعليمية، إلا أنه استوقفتني طويلا رؤية مهمة جدا جاءت في ثنايا إجابة الوزير عن أحد الأسئلة الموجهة إليه، قال الوزير إن من أهداف الوزارة هو: الوصول إلى عمل مؤسساتي لا يرتبط بشخص، وهذا لا بد منه في مجال التربية والتعليم، وهنا أفتح قوسين وأضيف أنه لا بد منه في كل المجالات، ويكمل الوزير: بحيث لا ترتبط برامج التعليم بأي شخص كان منصبه وزيرا أو نائبا أو وكيلا، فالجميع يذهب ويأتي ويبقى العمل وتستمر القواعد والمبادئ الأساسية. انتهى هذا الكلام الجميل من معالي الوزير، وهنا أجدني قائلا وبصوت عال: صح لسانك يا معالي الوزير، فهذه هي فعلا قاعدة النجاح الذهبية في أي عمل، وذلك حين يصبح برنامج العمل هو الأساس وليس شخص الوزير والمسؤول، بالقطع من أساسيات النجاح أيضا كفاءة المسؤول حتى يكون قادرا على إدارة المسؤولية، ولكن المهم والأهم هو أن يكون هناك برنامج عمل يجب أن يستمر في طريقه المتصاعد بصرف النظر عن مَن يأتي ومَن يذهب، وهذا هو سر نجاح الدول المتقدمة القائمة أنظمتها الإدارية على العمل المؤسساتي والمرتكزة على أنه وإن تغيرت القيادات، فإن السياسات تبقى ثابتة، لأنها مبنية على رؤية استراتيجية تكون مهمة المسؤول فيها هو تنفيذها وتطويرها حسب مقتضيات مصلحة هذه الرؤية، وبما يؤمن إنجاز ما عليه إنجازه خلال مدة تكليفه.
السائد لدينا وبكل أسف هو العكس من ذلك تماما، ففي غياب أو عدم وضوح برامج وخطط عمل محددة أوجد ما يمكن أن أسميه بالشخصنة الإدارية، والمقصود بالشخصنة هو أن يطبع المسؤول العمل بطابعه هو لا أن يطبع نفسه باستراتيجية العمل، أي أن المسؤول حينما يأتي إلى الموقع المكلف به يأتي، وأول عمل يقوم به هو قلب طاولة العمل رأسا على عقب، حيث يقوم بإلغاء عمل من سبقه ليبدأ من الصفر بحجة التطوير والإصلاح، ولهذا يكون أول قراراته هو إجراء تغييرات مؤثرة سواء على أسلوب العمل أو في القيادات العاملة راغبا في أن يلبس العمل بأسلوبه الخاص وبنكهته الشخصية بصرف النظر عن سلبيات هذا التغيير المبني على رغبات شخصية وليس لمتطلبات تفرضها مصلحة وضرورات العمل، وهذه إحدى آفاتنا الإدارية، وهي تعود إلى مفهوم إداري خاطئ ترسخ منذ عقود طويلة باسم صاحب الصلاحية والتي تستخدم في كثير من الأحيان، بعكس مصلحة العمل وتنتج قرارات تؤدي إلى ارتكاب أخطاء عديدة، فالبعض يعتقد بأنه لن تكون له بصمة إلا إذا قلب كافة الأمور وغير في الخطط، وألغى كل ما سبق عمله، وبدأ من الصفر غير مكترث بما تحقق قبله وكأن المسألة مسألة تنافس شخصي على المجد والصيت والدعاية، والضحية في بداية الأمر ونهايته هي مصلحة العمل الذي يتم على رتم خطوة للأمام وخطوتين للخلف، والنتيجة محلك سر.
مفهوم العمل المؤسساتي الذي أشار إليه معالي وزير التربية والتعليم، وفي ظني أنه لم يفعل إلا من تجربة تؤكد ما ذهبنا إليه، يقوم على أن العمل الإداري الناجح يعتمد على فهم المسؤول للمسؤولية التي تناط به على أنها إضافة إلى عمل من سبقه من خلال تحقيق إنجازات جديدة ضمن الخطة الأساسية للعمل ذاته، وليس وضع خطط جديدة بلا أسس سابقة يتم البناء عليها لمجرد البروز وعمل "بروبقندا" إعلامية ودعائية تظهر هذا المسؤول أو ذاك على أنه لم تنجب مثله الأرحام، وأنه اكتشاف عجيب سوف يحول التراب ذهبا، وغياب العمل المؤسساتي وسيادة الشخصنة بدلا منه هو الذي عطل تحقيق العديد من الإنجازات المتكاملة والمترابطة مرحلة بعد مرحلة، وأمامنا كثير من الأمثلة الحية والمعاشة لإدارات برغم طول تجربتها ومرور عدد من المسؤولين عليها، إلا أنها مازالت وبعد كل هذه السنين في طور التجربة والتغيير الدائم، وكأنها وليدة لحظتها، فلو أن العمل المؤسساتي هو القائم والملزم لاختصرنا كثيرا من الوقت وحققنا جزءا كبيرا من الأهداف والتي عطلتها الشخصنة الإدارية.
بقي القول لمعالي وزير التربية والتعليم: هل حديثه عن الرؤية المؤسساتية في مجال التربية والتعليم سوف نراه مطبقا قريبا في وزارته، أم هو مجرد كلام الليل الذي يمحوه ضوء النهار..؟ الله أعلم.