حياتنا الشخصية والمجتمعية في طائرة أم سيارة؟

''أمورنا طيبة والله لا يغير علينا''
بهذه الحيلة النفسية الخفية، يرفض الكثير منا التغيير ولا يتحمسون لأي تطوير بل ربما يحاربونه!
لو أن أديسون ارتضى أن يبقى العالم في الظلام ولم يقم بمئات التجارب التي قام بها حتى وصل إلى المصباح الكهربائي لبقي العالم على المصابيح الزيتية إلى الآن، بل لو أن العداء الجاميكي الشهير (بولد) رضي بما حققه العداؤون من قبله وقال لا يمكن لأي بشر أن يكون أسرع من ذلك لما حطم الرقم القياسي وانطلق كالسهم يسابق الساعة.
فهل الرضا عن الذات وعن الوضع القائم تفكير وشعور إيجابي أم سلبي؟
الرضا عبادة قلبية ومرتبة من مراتب المؤمنين العالية التي حث عليها الإسلام ورغب في ثوابها، كما أنه شرط مهم للراحة النفسية والاستقرار الوجداني، الرضا حسبما أفهمه هو معنى مرتبط بالله ـ عز وجل ـ، أن تكون راضيا عنه، شاكرا لأنعمه، متقبلا لكل ما يأتي منه، مستشعرا عنايته بك وحبه لك، متلمسا علامات فضله عليك، كما قال تعالى: ''رضي الله عنهم ورضوا عنه''، هوعبادة قلبية بينك وبين الله ينتج عنها تقبل للقضاء والقدر وصبر على المصائب وتلذذ بنعم الله وهدوء نفسي واستقرار عاطفي.
هذا الشعور العميق ما علاقته بالسعي الدؤوب لتغيير الواقع السيئ والعمل المستمر في تطوير الحياة وبذل قصارى الجهد في الانتقال إلى الأفضل والأمثل؟ هل هناك تناقض بين المعنيين؟ الرضا بمعناه السلبي مدمر لكل تفوق ومحبط لكل عمل، ويمكن أن يشبه الأفيون الذي يخدر الإنسان والمجتمعات عن تطوير أنفسها، وهو صك الحكم بالموت البطيء لأي مؤسسة أو جماعة.
رضا القلب بما كتب الله وامتنانه بما حباه يقتضي في الحقيقة العمل الدؤوب للحفاظ على هذه النعمة والسعي لنشرها بين الناس وتحسينها وتراكمها، وهذا هو التطبيق العملي الذي طبقه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته كلها وطبقه الصحابة والتابعون من بعده، كانت قلوبهم راضية عن الله وعطائه، لكن عقولهم وأجسامهم متفانية في تطوير واقعهم. يصف روبين شيرما هذه الثنائية بقوله: إن علينا أن نكون هادئين داخليا ولكن غير شبعين أبدا content but not satisfied .
يبقى سؤال طريف: هل نحن في حياتنا الشخصية والمجتمعية في سيارة أم طائرة من حيث التحرك إلى الأمام؟ السيارة إن تعطل محركها أو نفد وقودها فإنها تبقى في مكانها، أما الطائرة فإذا حدث لها ذلك سقطت فورا، وحتى ترتفع إلى الأعلى فلا بد لها من قوة إضافية ولا يمكن الاكتفاء بالقوة الأصلية نفسها.
نحن أيها الأعزاء في هذه الحياة في طائرة وبجوارنا الطائرات من كل نوع وصنف تحلق أعلى وأعلى، فإما أن نستجمع قوانا ونرتفع بأنفسنا بالتطوير المستمر وإما أن نسقط على أنوفنا!
إذا لم يكن هناك تجديد وتطوير وتجارب جديدة مثيرة وغنية في حياتك فاعلم أنك لن تبقى كما أنت اليوم بل ستعود إلى الوراء، إذا لم يكن هاجسنا الأكبر في مؤسساتنا هو التفكير بطرق جديدة وخلق حلول مبتكرة لمشكلاتنا المزمنة فسيتجاوزنا الزمن سريعا، مجرد رضانا بالوضع الراهن هو عامل تثبيط كبير، كما وصف ستيف جوبز أهم صفات المبدعين والرواد بقوله: ''يستخفون بالوضع الراهن ويسعون دوما إلى تطويره''.
وما أجمل ما بدأ به كولنز كتابه الشهير Good to great بجملة عبقرية صارت عنوان الكتاب وهي: ''إن أكبر عدو للشيء الممتاز هو الشيء الجيد''، ذلك أن الرضا بالجيد قد يخذل عن السعي للممتاز.
لتكن قلوبنا راضية عن الله شاكرة لنعمه مستسلمة لقضائه، ولتكن عقولنا وأجسادنا ساعية بكل جهد في حل مشكلاتنا وتطوير حياتنا إلى الأفضل، وليبق التطوير والتجديد هو هدفنا الكبير، ولنتذكر أننا في طائرة، وهدفنا أن نصعد إلى الأعلى ـ بإذن الله ـ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي