حقاً يا رايس إنه المخاض
<a href="mailto:[email protected]">imbadawood@yahoo.com</a>
إن المتابع للأحداث هذه الأيام لا يملك إلا أن يحتار فيما يراه من اختلاف في الآراء والتوجهات والمواقف، والموضوع الذي يكاد لا يفارق أعيننا أو آذاننا هو ما يحدث في لبنان منذ أكثر من أسبوعين من قتل وتدمير وتشريد. وقد نجحت وسائل الإعلام من محطات فضائية أو إذاعية أو صحف ومجلات ومواقع إنترنت في متابعة نقل الخبر حتى غدونا نعيش الحدث وما يدور فيه في كل ساعة. وقد واكب الأحداث خروج العديد من التعليقات والتحليل والتوصيات ما بين مؤيد لحزب الله ومعارض لما قام به, كما شجب وندد واستنكر الكثيرون ردة الفعل الحاقدة والبغيضة من العدو الإسرائيلي . ومهما تعددت التعليقات فتبقى تعليقات وزيرة الخارجية الأمريكية مميزة وذات أبعاد كبيرة واهتمام إعلامي أكبر, فهي بعد الصمت الذي كان موجوداً في بداية الحرب بدأت أخيرا في إصدار العديد من التصريحات من أبرزها "إن ما يحصل اليوم هو مخاض لشرق أوسط جديد".
إنه وصف جميل وبليغ وصادق, فما يحدث منذ أكثر من 50 عاماً في المنطقة إنما هو مخاض تزيد آلامه في فترات وتخف في أخرى، هو مخاض فعلاً فعدم الاستقرار هي الصفة الدائمة للمنطقة منذ تلك الفترة, والحروب المتوالية في هذا الجزء من العالم هي الصفة الدائمة حتى أصبحت أمنية العالم التي يتم ترديدها باستمرار " ضمان الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط".
إنه فعلاً مخاض الهدف منه هو إثبات تفوق الغرب ومن قبله إسرائيل وإثبات المذلة والمهانة للعرب والمسلمين، مخاض يتكرر ويتزايد فبعد أن كان في فلسطين قبل 50 عاما, ها هو منذ ذلك الحين يتوسع وينتشر كالوباء ليشمل أفغانستان, الشيشان, كشمير, العراق, الصومال, ودارفور, واليوم لبنان, فهو مخاض عالمي غير أن أهمه المخاض الشرق أوسطي.
إن كل مخاض ينتهي بولادة ولكم أن تتخيلوا شكل المولود الذي سينجب على أيدي رايس كشرق أوسط جديد. لقد أنجبت الحكومة الأمريكية بسياستها للمنطقة العديد من الحروب والنزاعات، وها هي تعلن عن قرب مولود جديد أطلقت عليه قبل الولادة اسماً هو (الشرق الأوسط الجديد) .
لا شك أن الولادة تصاحبها دماء وآلام وأن من تلد تفرح بهذه الآلآم لأنها بعدها ستجد مولودها الحبيب الذي تعبت من أجله أشهرا طويلة. ولكن الولادة التي أعلنت رايس عن قربها, ولادة من نوع آخر, فالدماء المصاحبة هي دماء أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني ومن أشلائهم، والآلام الموجودة هي آلام ناتجة من القصف والتدمير والتشريد والتخريب الذي يقوم به العدوان الذي تأبى الحكومة الأمريكية أن توقفه بعملية ولو قيصرية وتريد أن تكون هذه الولادة ولادة طبيعية تنتهي بأمر من الحكومة الإسرائيلية، فمهما كان المولود الذي سينجب من وراء كل هذا فلن يكون مرحبا به.
ومع كل هذه الآلام وهذه الدماء, فقد صدقت رايس بأننا نعيش مخاضاً ولكنه ليس المخاض الذي تعنيه رايس وتبشر من خلاله بشرق أوسط جديد، بل مخاض تشهده كل الشعوب العربية والإسلامية التي تقف اليوم صفاً واحداً تعرب عن استنكارها وتنديدها بالسياسة الأمريكية، وعن غضبها للممارسات التي تقوم بها للدفاع عن الكيان الصهيوني. إنه المخاض الذي يقطع كل الآمال والتطلعات في أن يأتي دعم أو مساندة أو خير من الغرب أو الشرق لهذه الأمة، وهو المخاض الذي يوحد الشعوب العربية لتزيد قناعتها بأن الحكومة الأمريكية لن تتجرأ في يوم من الأيام على أن تقف معها بأي حال من الأحوال ضد كل ما يمس سلام إسرائيل أو أمنها، هو المخاض الذي يساعد على أن يكون في هذه الأمة أبطال يملكون زمام الأمور ولا يتركونها لمن هم في الخارج.
إن المخاض الذي أعلنت عنه رايس بأنه سينجب شرق أوسط جديدا هو مخاض ينبئ بانتشار أوسع للإرهاب وبفوضى أكبر للمنطقة وبسحق أوسع للشعوب وبقتل لكل الحريات وإضاعة لحقوق الإنسان, فهو مولود أنجب بالاغتصاب فإما أنه سيولد مشوها أو ميتاًَ من الأساس, أو لن تبقى فيه الحياة طويلاً كغيره من المواليد الأمريكية.